أبوعلي
تستحق مسألة العلاقة بين الدين والسياسة بعض التحرير، ذلك أن حرمان أية قوى سياسة من استخدام ما تراه مرجعية لها في التشريع والرؤى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك في معرض الدعاية لنفسها هو عبث حقيقي، فهل بوسعنا أن نقول -مثلا- إن الليبراليين يستخدمون النوادي الاجتماعية التي يلتقون فيها في الدعاية السياسية، أو إن اليساريين يستخدمون النقابات التي ينشطون فيها، أو إن القوميين يستخدمون رموزهم في الدعاية لأنفسهم، فضلا عن نصوص إعلاء شأن العروبة مثلا؟.
لو عدنا عقودا إلى الوراء حين كانت القوى الإسلامية ضعيفة وهامشية، فسنرى أن تلك المقولة (استخدام الدين في السياسة) لم تكن موجودة، بينما كنا نسمع مثلا عن استخدام اليساريين مظالم الفقراء من أجل كسب أصواتهم أو تأييدهم، ولم تظهر تلك المقولة عمليا إلا بعد تسيّد الإسلاميين الساحة السياسية.
للافت في هذه القضية أن أحدا لم يقل إن الدين كان حكرا على قوة سياسية بعينها في يوم من الأيام، التييار الإسلامي الذين كان لا ينشط سياسيا كان يقابله صوفيون يتبعون مزاج الأنظمة، وسلفيون من ذات اللون أيضا، وآخرون من ألوان شتى، وكل طرف يقدم تفسيرا مختلفا للدين عن الطرف الآخر، لكن التركيز كان منصبا على من ينشطون في العمل السياسي، مما يعني أن القضية هي في اللون السياسي المعارض، بدليل أن سلفيين يعملون في السياسة -وأقله المطالبة بالإصلاح السياسي- ما لبثوا أن انطبقت عليهم مقولة استخدام الدين في السياسة أيضا.
للأكثر إثارة في هذه القضية هو الوجه المقابل لها، ممثلا في استخدام الأنظمة للدين في الدعاية لنفسها والحصول على الشرعية، فضلا عن توجيه الناس نحو مسارات أخرى تخالف ما تراه وتريده القوى الإسلامية المسيّسة، بل إن استخدام السياسة للدين كان يمثل الظاهرة الأكثر بروزا في العقود الأخيرة، وربما تاريخيا أيضا، وقد بدأها في الجمهوريات أنور السادات حين أطلق على نفسه لقب “الرئيس المؤمن”، بل إن أمرا كهذا قد حدث في بعض الدول الغربية كما حصل مع بوش الابن في أميركا، على سبيل المثال.
منذ أن ظهر ما يُعرف بالإسلام السياسي ردت الأنظمة باستخدام الدين لخدمة السياسة بشكل لافت، وبدأ ذلك بالسيطرة على المساجد، ومنح منابرها ومحاريبها للون معين ينادي بطاعة ولاة الأمر، ورفض الخروج عليهم، وصولا إلى منع انتقادهم في العلن، وانتشر هذا الخطاب، وحصل على دعم مالي وأمني رهيب، ليس على مستويات محلية، بل على مستويات إقليمية ودولية، حتى رأيناه يسيطر على مساجد في دول غربية أيضا.