الخيانة الحزبية و لعبة تضليل عامة النّاس

Résultat de recherche d'images pour "‫الخيانة الحزبية بالمغرب‬‎"

م/ حيفا 

يُساهم الانتماء بأشكاله المتعددة، نحو الانتماء الفكري والسّياسي وغيرهما، في بلورة ثقافة الفرد وهويته السّياسية، الفكرية والوطنيّة، والانتماءات التي تحيط بنا كأفرادٍ في المجتمع كثيرة ومتعددة، بعضها لا يقع ضمن اختيارات الفرد كالانتماء الديني، والآخر يتبناه الفرد بنفسه، بوَعيه وإدراكه الشخصي، نحو الانتماء الفكري والسياسي. وبما أنَّنا صرنا على عتبة الانتخابات للسلطات المحلية والبلديات، فسأطرق باب الانتماء الفكري والسياسي.
يتمثّل انتماء الأفراد لحزبٍ ما في تَبَنيهم لأفكار الحزب ولمبادئه والولاء له والعمل على نشر كلمته وتقوية مكانته وتوسيع صفوفه، إضافةً إلى العمل من أجل المصلحة الاجتماعية العامة، ونقصد بالأفراد أولئك الذين اطّلعوا على قانون  الحزب وأيديولوجيته ونظامه السّياسي وأعلنوا انتماءهم عن وعي وإدراكٍ، لا أولئك الذين يتذوّقون من هذا الحزب وذاك ويتأرجحون في موقفهم الفكري والسياسي بين حزبٍ وآخر؛ نقصد أولئك الذين اكتمل وَعْيهم الحزبي ويمارسون العمل السياسي ضمن إطارٍ حزبيّ.

والانتماء هو الانتساب لإطارٍ ما، والاعتزاز بهذا الانتماء من خلال الالتزام بتعاليمه ومنهجه والتضحية من أجله، والمشاركة الفعّالة من أجل تحقيق المصلحة العامة للمجتمع، بعيدًا عن المصلحة الفردية التي تقوم على خِدائع ومؤامرات،  فمن يتخذ المصلحة الذاتيّة دربًا له يدوس بها على مبادئ الحزب ورسالته، خائن، لا بدّ من فصله من القافلة الحزبية لأنه يطعن في مبادئها ومواقفها ،  لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ الانتماء لا يفرض التشابه أو الانصياع الأعمى، فما يميّز الأفراد الذين انتموا إلى حزبٍ ما هو التقارب في الفكر والسلوك لا التطابق، والتقارب لا يُبطل وجود الاختلاف بين الأفراد، بل إنَّ الاختلاف في الآراء وفي أساليب التفكير والعمل أمرٌ سليم بل ضروريّ، فالاختلاف في الآراء لا يعني خيانة المبادئ والقيم وخيانة القرارات التي اتُخِذَت حسب دستور الحزب، ولا يعني خيانة الفكر والذات، أما المشكلة الكبرى فتَكمُن في بعض القادة المنحرفين، جهلا أو عمدًا، عن بعض القواعد الحزبية بما يتلاءم مع آرائهم.

Résultat de recherche d'images pour "‫الخيانة الحزبية بالمغرب‬‎"

إنَّ ظاهرة الانحراف هذه إنَّما هي انحراف فكري، والانحراف الفكري هو عدم الالتزام بمبادئ الحزب ودستوره والخروج عنهما،  ويتجلى الانحراف الفكري في عدّةِ مظاهرَ، منها: تضليل وخداع عامة النّاس ممن يجهلون حقائق الأمور وتفاصيلها، تشويه بعض الحقائق، النِّفاق، الخلاف الذي يؤدّي إلى صراعاتٍ داخليةٍ تُهدّد البناء التنظيمي الحزبي،استخدام اللّغة الانفعالية بهدف الإقناع، معالجة الأمور بشكلٍ غير سليمٍ فالمنحرف يتناول الأمور ويعالجها بما يتلاءم مع مصلحته أو مصلحة جماعته.
أمّا أسباب الانحراف الفكري فيُمكِن ردّها إلى أسبابٍ عدّة، نحو: سوء التنشئة الفكرية، المصلحة الذاتيّة، “ضرب” الحزب من الداخل لأهدافٍ ذاتيّةٍ كالمحافظة على مركزٍ ما،عدم تحكيم العقل، الاهتمام بمسائلَ شكلية، غضّ النَّظر عن الأخطاء لإرضاء “بعض القادة”، الجمود الفكري والتمسّك بأفكارٍ تخدم البعض وتعود بالفائدة عليهم،  كما يؤدي الانحراف الفكري إلى إثارة الخلاف بين الناس، إلى تضليل البعض خاصةً الفئة الشبابية التي لم يكتمل وَعْيها الفكري بعد، وإلى عدم الاكتراث بالمصلحة الحزبية وبالمصلحة العامّة، كذلك يؤدّي الانحراف الفكري إلى تحريف بعض المواقف، المفاهيم، الأقوال والقرارات وغير ذلك بما يتلاءم مع وجهة نظر الانتهازيين منهم.
إنَّ الانحراف الفكري عند القادة السياسيين يؤثّر على الممارسة العمليّة للعمل السّياسي بين النّاس، كما انَّ هذا الانحراف يولّد عند الفرد، سواء كان ناشطا سياسيا أو لم يكن، حالةً من الاغتراب يُمكننا ترجمتها بعِدَّة مظاهر، أهمها: الانخراط في حزبٍ آخر والمشاركة الفعّالة من خلاله، إقامة تنظيم جديد يتلاءم مع اتجاهاته الشخصية، التنحي جانبا، وتجميد المشاركة السياسية.
والمظهران الأول والثاني يحملان خيانتين، الأولى فكرية حزبية والأخرى فكرية ذاتية،  إنَّ للفرد الحرية والحقّ في اختيار الإطار الذي يودّ الانضمام إليه، ولكن بما أنَّنا خصّصنا الحديث، كما جاء سابقًا، للأفراد الذين قد تشكّل وَعيهم السياسي والحزبي وأعلنوا انتماءهم عن وعي وإدراكٍ، فلا مفر سوى نعت تصرّف أولئك الأفراد بالخيانة،  ليس الخيانة الحزبية فحسب، بل الخيانة الفكرية الذاتيّة، إذ يتبنى الفرد، بانضمامه لإطارٍ آخر، قِيمًا ومبادئ تتعارض وتلك التي كان ينادي بها. هؤلاء الأفراد ليسوا في حالة ثباتٍ فكري ولن يكونوا كذلك لانتهازيتهم.
أمّا بالنّسبة للمظهر الآخر، التنحي جانبًا، فهو إعلان الفرد عن رفضه لِما يجري في المؤسسة الحزبية التي اختارها، كالانحراف الفكري، فيُبطل مشاركته الفعّالة مكتفيا بالتصويت للحزب، رغبةً منه أو خجلا أو إثرَ ضغوطات أخرى. وفي هذه الحالة يُصبح الفرد خائنا لذاته لا لحزبه، معنى ذلك، إنَّ دعم أفكارٍ وسلوكيات سياسيةٍ منحرفةٍ تتناقض والمبادئ والقيم التي ينتمي إليها هي خيانة لتلك المبادئ والقيم. بالتالي، يتحوّل هذا الفرد إلى خائن لنفسه ولمبادئه.

Résultat de recherche d'images pour "‫الخيانة الحزبية بالمغرب‬‎"

أمّا المظهر الأخير، تجميد المشاركة السياسية، فهو إعلان صريح عن استياء الفرد من المؤسسة الحزبية التي انتمى إليها عن وعي وإدراك، بسبب انحراف البعض (مِن أفراد ومسؤولين) عن مبادئ الحزب وعدم الالتزام بدستوره وغير ذلك من مظاهر الانحراف، إنَّ تجميد المشاركة السياسية بما في ذلك عدم المشاركة في الانتخابات، تعني التزام الفرد بالقيم وبالمبادئ الحزبية التي تبناها يوم انتمائه للحزب من جهةٍ، وعدم خيانته لفكره من جهةٍ أخرى. ويمكننا ان نسمي هذه الحالة “التصويت الاحتجاجي”.
إنَّ هذا الصوت الاحتجاجي تتحقق فعاليّته عندما يكون داخل الإطار الحزبي لا خارجه، نقصد أنَّ الفرد المخلص لمبادئه وقِيَمِه لا يُحرك ساكنًا وهو خارج الإطار الحزبي، بل عليه المشاركة الحزبية داخل الحزب نفسه، ولا تتحقق تلك المشاركة إلا إذا أيقظ الحزب أذنيه وعقله لأفراده الذين ينتمون إليه ويأبهون بمصلحته، وهذا يتطلّب عناصرَ مسؤولة ومخلصة لمبادئ الحزب ودستوره، تعي المشاكل والانحرافات القاطنة داخل الحزب، ولها القدرة على تكنيس الآفات ومظاهر الانحرافات المختلفة في الحزب وفض النزاعات اللامبدئية فيه.
إنَّ الانحرافات الحزبية تؤدي إلى إضعاف البنية الحزبية، ولا يمكن التخلّص من هذا الانحراف إلا من خلال تعميق الوعي النظري والفكري والمشاركة السياسية، ممارسة النَّقد والنَّقد الذاتي، مناقشة الأمور، الاستناد إلى المبادئ الفكرية في تقييم الأمور، تصحيح مفاهيم خاطئة، وتطهير الحزب من العناصر الانتهازية،  آمل أن لا تُقرأ هذه الأسطر وفقًا للمقولة “من ليس معنا فهو ضدّنا”، بـــــــــــــل قراءتها وفقًا لمقولة ماركس “النَّقد أساس التقدّم”.

Résultat de recherche d'images pour "‫الخيانة الحزبية بالمغرب‬‎"

إنَّ الانتماء الحزبي هو هوية الفرد، ويُمثّل هذا الانتماء وعي الفرد الفكري والسياسي والثقافي؛ الانتماء الحزبي هو أن تحمل المبادئ والقيم، التي يقوم عليها الحزب والتي اتخذتَها دربًا، لتكون جزءًا من حياتك، أن تُحارب من خلال سياسة الحزب الآفات الاجتماعية والمخططات السياسية الهدامة، أن تُناضل وتُضحي من أجله ولأجله. الانتماء لا يعني التغاضي عن الأمور غير السليمة التي تجري في جسد الحزب الذي يحمل فِكرك، ولا الدفاع عن الأفكار والسلوكيات الخاطئة لمجرد أنَّ الحزب يمثّلك، بل عليك مواجهة الأخطاء والإشارة إليها.

كم جميلٍ أن نتبنى قيمًا ومبادئ وننخرط في النشاط السياسي، ولكن الأجمل أن نعيش هذا الانتماء، أن نحقّق هذا الانتماء في خطاباتنا وأعمالنا، فبذلك نحمي الفكر من السقوط والمبادئ من النزيف القاتل.

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*

x

Check Also

بلاغ من اللجنة المنظمة لمهرجان طنجة الدولي للشعر

    طنجة اليوم توصلنا بهذا البلاغ ،ننشره كما ورد علينا من ...