الأمين مشبال
احتارت ألباب ساكنة تطوان في سعيها لفهم ما يجري ويدور في شارع الجيش الملكي، فمنذ شهور تتواصل أشغال الحفر ثم إعادة الحفر ،والتي تمخضت عن مدارة عوضت العلامات الضوئية التي كانت تنظم السير قرب محطة البنزين “ايسو”.
الأشغال المذكورة والمرافقة لها على امتداد كيلومترات بذات الشارع تطلبت ،ولا تزال،شهورا من العمل المتواصل ،واستنزاف مئات الملايين دون أن تقنع الرأي العام بجدواها ،اللهم إذا كانت الحكمة الثاوية خلفها ضخ المئات من الملايين في ميزانية الشركة المكلفة بالأشغال و”تبرير” تبديد رهيب للمال العام وكأن خطاب التقشف وترشيد النفقات لا يعنينا، والأدهى من كل ذلك ،تمعن السلطة المحلية وعلى رأسها محمد اليعقوبي والي جهة طنجة تطوان الحسيمة والعامل على اقليم تطوان بالنيابة ،في حجب المعلومة من خلال عدم وضع أية لوحة (ولو من باب ذر الرماد في العيون ) تحدد الجهة التي تسهر على انجاز الأشغال والشركة المحظوظة الفائزة بالصفقة ،والميزانية المعتمدة للأشغال والمدة الزمنية التي ستستغرقها…الخ.
والمؤسف ،أنها ليست المرة الأولى التي يضرب المسؤولون بالمدينة طوقا حديديا حول المعلومة المتعلقة بالا وراش التنموية التي تهم مستقبل ساكنة المدينة :فمثلا مشروع تهيئة واد مرتيل لا أحد يعرف فحواه ولا جدواه ولا المراحل التي قطعها بما في ذلك المنتخبون، “المساحات الخضراء “التي تمتد من مدخل المدينة إلى الفنيدق على مسافة 40 كلم ،والتي تتطلب ميزانيات ضخمة لصيانتها ومياها كثيرة لسقيها ،لا يعرف أحد كيف يتم تدبيرها ولا كيف يتم اختيار الشركة التي تديرها، كما يلاحظ المواطنون بكل حسرة استبدال أعمدة كهربائية وأرصفة لا زالت صالحة بأخرى،وكأن المغرب بلد يضاهي قطر والسعودية من حيث الثروة الناجمة عن العائدات البترولية ،وأن لا وجود للفقر والبطالة أوللتقشف في ميزانيات الصحة والتعليم …بينما يؤكد واقع الحال أن تلك الأموال التي تصرف بسخاء حاتمي تقتطع من جيوبنا نحن دافعو الضرائب ،وليست هبة من الساهرين على تدبير المرفق العام .
ولإخفاء هذا التدبير الكارثي للمال العام تريد السلطة المحلية إيهامنا بأن الأمر يتعلق ب”أسرار الدولة ” ،في حين لا يعدو أن يكون الأمر عقلية مرضية تنتصرإلى المدرسة القديمة للسلطة التي تنتظر من المواطن الخضوع ومن الإعلام التطبيل ومن الصحفي المقالات المرصعة بلغة الخشب .
طوق الحصار هذا المضروب حول المعلومة (رغم أنف الفصل 27 من الدستور الذي يؤكد ويضمن الحق في الوصول إليها) ،التي تهم الصفقات العمومية و المشاريع الحيوية التي تعبأ لها الملايير من السنتيمات ، ،تجعل نساء ورجال الإعلام أمام خياران أحلاهما مر:
الابتعاد عن الملفات الحساسة والاقتصار على أخبارالانشطة التي تلمع صورة المسؤولين و حوادث السير وجرائم السرقة والقتل ونتائج كرة القدم …علما أن أحد الوظائف الأساسية للإعلام هوالتثقيف وتنوير الرأي العام حول مختلف القضايا التي تهم حياته اليومية ،وإخراج المواطن من سلبيته وجعله مهتما وشريكا في العملية التنموية.
أما الاختيار الثاني فيتمثل في الانزلاق وراء الإشاعات والمعلومات التي لا تستند على مستندات ووثائق تثبتها عند المساءلة ،مما قد يجعل الصحفي عرضة للمتابعة القانونية بتهم القذف أو تسفيه جهود الدولة وغيرها من التهم. وفي أحسن الأحوال ينزلق الصحفي وراء سراب السبق الصحفي والفرقعات الإعلامية فيصبح متعارضا مع أخلاقيات المهنة وعرضة لفقدان المصداقية التي تمثل رأسماله الحقيقي .