أهل الريف مغاربة مثل باقي المغاربة ومن حقهم أن يعبروا عن مطالبهم

 

يحيى اليحياوي

يحيى اليحياوي

 

   أهل الريف عندما يشكون من المظلومية، فلأنهم يعتبرون أن الدولة لم تعرهم يوما اهتماما، ولا توافرت لديها النية لأخذ مطالبهم بالجدية اللازمة ، وحجتهم في ذلك أن الدولة قدمت لهم في الماضي وعودا تلو الوعود، لكنها لم تف بها بالمرة أو أوفت بالنزر منها، و  أن ما يصل المنطقة من مشاريع لا يعدو أن يكون ما فضل من فُتات الميزانيات المرصودة لباقي جهات المملكة،  إنهم يعتبرون منطقتهم ضمن ما كان يسمى زمن الحماية الفرنسية “المغرب غير النافع”

إن الشعارات التي رفعها حراك الريف لا تنهل من واقع “المظلومية” للخلوص إلى محاكمة لسياسات عمومية، تبدو لزعماء الحراك ظالمة وغير عادلة، بل إنهم يبنون على أساس هذا الواقع لتعزيز الادعاء بأن ذات السياسات ثابتة في كل البرامج الحكومية، إذا لم يكن في عهد الملك محمد السادس فعلى الأقل طيلة العقود الأربعة، التي عاشت المنطقة خلالها في ظل حصار كاد يأتي على الأخضر واليابس.

ولذلك فقد ذهب الأمر ببعض رافعي الشعارات إلى حد الكفر بالدولة، وكيْل الاتهامات العنيفة والمباشرة للأحزاب والنقابات والجمعيات الأهلية، ناهيك عن ممثلي الدولة المحليين والجهويين،  إذ كلهم في نظرها “متواطئون” أو “صامتون” أو “لا يملكون الشجاعة للاعتراف بمشاكل المنطقة”.

Résultat de recherche d'images pour "rif maroc"

ولعل الشاهد على ذلك هو رفض “زعماء الحراك” الجلوس مع ممثلي الدولة سلطات عمومية ومنتخبين، وتشبثهم بمطلب محاورة الملك أو وفد رسمي تلزم المفاوضاتُ معه الملكَ بالصفة والوظيفة، ولا يكون للسلطات العمومية (حكومة ومجالس محلية) إلا وظيفة تنفيذ ما قد يتم “الاتفاق عليه”،

ويبدو -حسب هذا المنظور- أن الجهة الوحيدة التي لا تزال تحتكم إلى عنصر المصداقية هي الملكية، رغم تصاعد أصوات ترفع شعار “الخطابي “، أو تدفعها الجرأة إلى حد الادعاء بأن الاستعمار الإسباني كان أرحم بهم من سلوك دولة الاستقلال،  وعلى هذا الأساس، فإن عنصر الثقة بين الدولة والحراك قد انحسر إلى أقصى مدى، والرهان عليه لتحريك آلية الحوار أضحى غير وارد، لا بل قل إنه مستبعد.

ورغم أن الحكومة  اعترفت بمشروعية مطالب أهل الريف، فإن “زعماء الحراك” لم يتساوقوا كثيرا مع الخطاب الرائج، وشددوا على ضرورة أن يُعمد أولاً -لاختبار حسن نية الحكومة- إلى إطلاق سراح بعض الشباب المسجونين في أعقاب أحداث محلية سابقة، و”إلغاء مرسوم عسكرة المنطقة” التي تمت إثر انطلاق الأحداث، وتمثلت في قوى الأمن المرابطة عند منافذ المدينة،  لا يبدو لنا أن ثمة خيارات كثيرة بين يديْ الدولة فيما يتعلق بالصيغة التي يجب انتهاجها، إذ الخيار لا يخرج في نظرنا عن أحد حلين:

1- خيار استعمال القوة لتفريق الحشود المتظاهرة، وإعمال القانون مع الذين تزعموا الحراك أو تبنوه أو تجندوا لرفع شعاراته ومطالبه، وهو خيار مستبعد فيما يبدو لسببين: الأول، لأن الدولة اعترفت جهارة بمشروعية المطالب، وأعلنت استعدادها للجلوس إلى طاولة الحوار لمناقشة الترتيبات المرتبطة بالتنفيذ،  وهذا وحده كافٍ للتدليل على النزوع بجهة “حل المشاكل بالحسنى”.

وثانيا، لأن السياق الوطني والإقليمي (وربما الدولي أيضا) لا يسمح بالمرة بركوب ناصية هذا الخيار لقمع حركة احتجاجية سلمية ومهادنة، لم ترفع السلاح في وجه الدولة ولا هددت برفعه.

2- خيار جرد مشاكل المنطقة برمتها والشروع في تنفيذ المستعجل منها، مع برمجة الأخرى في آماد زمنية قريبة ومتوسطة، يعهد إلى الدولة جزء منها وإلى القطاع الخاص جزء آخر،  على أن تتكفل بمتابعة الإنجازات وتقييمها لجنة تقنية تعمل في عين المكان وتراقب الإنجازات بدقة ودون تلكّؤ.

يبدو أن هذه الصيغة هي الأنجع والأضمن لرفع الخصاص عن منطقة الريف، ولضمان استقرارها ومنع ارتدادية الاحتجاجات ذات الطبيعة العامة أو الفئوية،  ونزعم أن سبيل الحوار هو مفتاح العملية إذ بانتفائه يزداد الاحتقان، وتتقوى المزايدة من هذا الطرف أو ذاك، وتتحول القطيعة إلى احتراب ونفي للآخر.

Résultat de recherche d'images pour "rif maroc"

إن أهل الريف مغاربة مثل باقي المغاربة؛ يعرفون خصاصا في مجالات اقتصادية واجتماعية وثقافية، ومن حقهم أن يحتــــــــــــــجوا ويطالبوا بنصيبهم من الثروة ومن السلطة.

وليس من حق أي أحد مهما كان أن يمنعهم من التعبير عن مطالبهم، لا سيما إن كان بالطرق السلمية الخالصة وبالآليات القانونية المتاحة، لكن دون مزايدة على مؤسسات الدولة وهيبتها أو على نظامها السياسي.

*- كاتب و أكاديمي

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*

x

Check Also

هذا جزاء شرطي تحرش بمواطنة

طنجة  اليوم : متابعة أفاد بلاغ  للمديرية العامة للأمن الوطني أنها أوقفت ...