سقط مشروع القانون المالي، قيد المناقشة في مجلس المستشارين حاليا، من حساباته إجراءات تعالج مشاكل السكن المتوسط، الذي تبدأ من شروط الولوج إليه، الغارقة في التناقض، فمقارنة القدرات المالية للطبقة المتوسطة، المستهدفة بهذا الصنف من المنتوجات العقارية، وأسعار السوق، تحيل بسرعة على أن هذا السكن عبارة عن «كذبة كبرى»، حسب تعبير أحد المنعشين العقاريين في البيضاء، ذلك أن دخل الطبقة الاجتماعية المذكورة، وفق أرقام المندوبية السامية للتخطيط، يتأرجح بين ألفين و800 درهم وستة آلاف و763 درهما، في الوقت الذي يصل متوسط أسعار الشقق المتوسطة إلى 80 مليون سنتيم (800 ألف درهم) في محور الرباط- البيضاء.
واستنادا إلى المعطيات المذكورة، فإنه يستحيل لطالب السكن المتوسط، الـــــــــــــــذي يتقاضى أجرا شهـــريا بقيمة ستة آلاف و763 درهما، الحصول على قرض بنكي بقيمة 80 مليونا، باعتبار تحديد نسبة الملاءة المالية عند منح القروض العقارية في 45 % من الأجر، ذلك أنه سيتعين عليه أداء قسط شهري تتجاوز قيمته أربعة آلاف و756 درهما، أي ما يفوق 70 % من الأجر، عن قرض بسعر فائدة تفضيلي لا يتعدى 4.70 %، مستحق على 25 سنة.
ويوضح مصدر مهني، أن التصريح الحكومي الأخير، شكل خيبة بالنسبة إلى المهنيين، الذين كانوا يراهنون على إجراءات وتدابير تحفز المنعشين العقاريين على الاستثمار في السكن المتوسط، على غرار الامتيازات التي يستفيدون منها في إنتاج السكن الاجتماعي، إذ اقتصر التصريح على التزام بتبسيط المساطر الخاصة بالتعاونيات السكنية ودعمها، لتيسير ولوج الطبقات الوسطى إلى سكن يلائم إمكانياتها وتطلعاتها، وهي الوعود التي تظل غامضة بالنظر إلى افتقارها لتدابير قابلة للتفعيل على أرض الواقع، خصوصا أن المرحلة الماضية، سجلت فشلا كبيرا في مشروع إنتاج وتسويق الصنف المذكور من السكن.
ويظهر هذا الفشل، حسب سعيد صبان، ناشط في مجال حماية المستهلك، من خلال استفادة الطبقة المتوسطة، وفق محددات الواقع الحالي، التي يتراوح دخلها بين ثمانية آلاف درهم و12 ألفا، من عروض السكن الاجتماعي، في ظل غياب فرص عقارية تلائم قدراتهم المالية، موضحا أن أغلب معروضات السكن، التي تنطبق عليها المعايير التقنية المحددة من قبل وزارة السكنى والتعمير وسياسة المدينة، متمركزة في ضواحي المدن، ما يعقد عملية تسويقها.
وبهذا الخصوص، يوضح أحمد بوحميد، رئيس الاتحاد الوطني لصغار المنعشين العقاريين، أنه في ظل عدم وجود تعريف دقيق ومحدد للطبقة المتوسطة، فإن الدولة فشلت في إعداد منتوج عقاري يلائم هذه الطبقة، رغم تحديدها للشروط التقنية الخاصة بالمنتوج، التي تهم سكنا مساحته تتراوح بين 80 مترا و150، وبالتالي فإنه بإسقاط أسعار السوق على هذه المساحة، يمكن الحديث عن شقق بسعر يبدأ من 70 مليون سنتيم، وهو المبلغ الذي لا يمكن أن يتحمله متوسطو الدخل، الذين يضطرون إلى التدفق على مشاريع السكن الاجتماعي، بسبب كلفتها المتدنية.
و كشفت الدولة عن نيتها إنتاج 800 ألف وحدة سكنية في أفق2021، من أجل تقليص العجز الحاصل في إنتاج السكن، الذي بلغ 580 ألف وحدة أخيرا، إلا أنها أسقطت عرض السكن المتوسط من أهدافها المعلنة، في ظل استمرار مجموعة من المشاكل التي تعوق إنجاح هذا العرض، يتعلق الأمر بصعوبة الحصول على وعاء عقاري في مكان استراتيجي، يستجيب لشروط السكن المتوسط، إذ يضطر المنعشون العقاريون إلى استغلال هذه الأوعية في إنتاج السكن الراقي، أو يعكسون كلفة الوعاء على سعر البيع، فيتحول السكن من الصنف المتوسط إلى الراقي، وهو الأمر الذي يعتبره المهنيون عاديا، بالنظر إلى بحث المنعش عن الربح، خصوصا أنه لا يستفيد من مزايا جبائية في المنتوج العقاري المذكور.