إن التفكير في موضوع “اليسار المغربي إلى أين” بصورة عقلانية و محايدة يرتكز بالضرورة على تبني نسق تحليلي يربط بين الواقع المجتمعي و السياسي المغربي والتطور التاريخي للحركة اليسارية في الجدلية التي أفرزتها السيرورة الفكرية، كما أن هذا النسق يجب أن يستحضر وبقوة الأشياء ، التحولات السوسيولوجية و السياسية المتسارعة التي طرأت على مغرب الالفية الثالثة كخلفية للنقاش ، اننا لا ننطلق هنا مما يقوله الناس او يتخيلونه او ينمثلونه، كما اننا لا ننطلق مما يكونون عليه في كلام الاخرين و فكرهم و خيالهم و تمثلهم, كي نصل بعد ذلك الى البشر الذين هم من لحم و دم, كلا. اننا ننطلق من الناس في فعاليتهم الحقيقية كما اننا نتمثل تطور الانعكاسات و الاصداء الايديولوجية لمجرى حياتهم الواقعية انطلاقا من مجرى الحياة ذاك” ما يقوله كارل ماركس.
و يتسم الوضع السياسي المغربي العام بكثير من الضبابية ، بل و يعيش المغرب ازمة سياسية خانقة من اهم تجلياتها : العزوف المهول عن الانتخابات, حكومة اقلية في صورة أغلبية و تشكيل حكومي ترقيعي و غير مبني على اي تصور, ازمة ثقة, خلط عام في الاختصاصات, انـــــــــــــفراد المؤسسة الملكية بكل المبادرات و تقزيم المؤسسات الاخرى, … وعموما يعرف الوضع السياسي المغربي الراهن حالة تعكس انكسار أمل الانتقال إلى الديموقراطية. أحزاب الكتلة تعيش حالة من التشرذم الداخلي الحاد بفعل التيه السياسي في اختياراتها و عدم رضى قواعدها ، فحتى حزب الاستقلال تعيش قواعده حالة من القلق تجاه تحمل حزبهم للانتقادات و تبعات المرحلة الراهنة.، بينما فقد أحزاب اليمين القديم دعم الإدارة لتصير مثل الأحزاب الطبيعية التي يجب عليها أن تقاوم و تنتج لتستمر.
و حتى العدالة و التنمية, الحزب الإسلامي الرئيسي المشارك في الانتخابات, لم يستفق بعد من سراب اكتساح الصناديق و ربما استنتج مناضلوه أن المرجعية الإسلامية لا تكفي لوحدها، اما اليسار الغير الحكومي فلازال لم يستطع أن يخرج من تنظيراته للوصول إلى واقعية انتخابية.، بل حتى “حزب الدولة” الناشئ الجرار فلا يبدو انه يقنع حتى “مناضليه”.