القائد :شكيب الرغاي
نرجو من كل المهتمين بالحركة الكشفية المغربية إعادة نشر هذا المقال، حتى نتمكن جميعا من تحريك الاهتمام بوحدة الكشفية، لوضع حد لهذا التعنت وهذا التسلط الذي يفرضه بعض الأشخاص على الحركة الكشفية المغربية.
لم تستطع الكشفية ببلادنا أن تنهض وتنفض الغبار عنها لتخرج من الوضع المزري الذي لا يتناسب مع طموح وحماس الشباب المغربي، ولا يتناسب مع حاجيات البلاد لمواجهة مشاكل التنمية البشرية ومواكبة العصر والسير وفق مسار التنمية الشاملة للمجتمع، الحركة الكشفية في مرجعيتها وأهدافها قادرة على المساهمة بشكل كبير في تأطير الفتية والشباب ومساعدتهم على مواجهة مصاعب الحياة، لكن ضعف التسيير والتدبير جعلها تنظيما يراوح بين الاستمرارية دون تجدد، وبين الإخفاقات التنظيمية المتواصلة. وحسب رأينا المتواضع نرى أن وضعية التخلف التي تعيشها الحركة الكشفية ببلادنا نابعة من ثلاثة أمور مترابطة فيما بينها، الأمر الأول طغيان السطحية الفكرية للقادة المتحكمين في تدبيرها، يتداعى عنها عدم قدرتها للانخراط في المشاريع التربوية والاجتماعية والثقافية التي تتبناها قطاعات الدولة وبعض تنظيمات المجتمع المدني، والأمر الثاني التعنت والرغبة في استمرار تشتت الحركة وتمزقها، في مقابل عدم قدرة التنظيمات الكشفية الجديدة والمستحدثة من الحصول على مكانتها بالجامعة، والأمر الثالث عدم تحريك مسطرة المساءلة والمحاسبة التي تضع الحركة ببلادنا في الانتظارية وأحيانا في العدمية، نظرا لعم قدرتها على القيام بدورها التربوي المتوقع منها، ونظراغيابها المتواصل عن المحطات التنموية التي تعرفها بلادنا.
سطحية الفكر التربوي :
لم تستطع الحركة الكشفية المغربية على بناء مشروع تربوي واضح، يترجم حاجيات الأطفال والفتية والشباب، وتقديمه في إطار عرض تربوي قادر على إحداث الغيير المنشود الذي يطمح إليه المجتمع، التغيير الذي تسعى إليه القطاعات الحكومية ذات الاختصاص، ولتترافع من أجل الإقناع بما يمكن أن تقدمه الحركة الكشفية لأبناء الوطن، وتكتف جهودها التربوية رفقة جل الفاعلين التربويين للإسهام في إطار المقاربة التشاركية على إنجاز المشاريع التي تدخل في سياق التنمية البشرية، لكن القائمون على الحركة الكشفية لا يعتبرون هذا الطرح التربوي مشروعا تربويا، لكونهم لا يؤمنون بأهدافها القريبة والبعيدة، ولذلك لا يهتمون بانعكاساتها على الناشئة، كي يبدلون أقصى ما في جهدهم لتحقيق أهدافها.
يتعامل قادة الحركة ببلادنا بسطحية فكرية غريبة، لأنهم لا يستطيعون النفاذ لجوهر الأمور، لم تحظ ممارسة التربية الكشفية لديهم بالاهتمام اللازم ، على الرغم من أن التربية هي الأساس، فهم يهتمون فقط بالمظاهر الزائفة لعدم قدرتهم على التعمق في الأبعاد التربية الكشفية وما يمكن أن تقدمه للطفولة والفتية والشباب وللتنمية البشرية، في أطار المشروع المجتمعي، الذي يعكس اهتمامات المجتمع. إن من يختار الفكر السطحي هم أولائك الذين ليست لهم رؤى أصلا، يحاولون المحافظة على كراسيهم بأي ثمن، ويبحثون باستمرار ترك الأمور كما هي عليه، وليست لهم رغبة في التطوير وفي تحقيق الأهداف والغايات، لأنهم لا يبدلون جهدا في فهم الأمور. لن نجد جهدا بيداغوجيا يوثق الممارسة الكشفية وفق منهاجها المعتمد عالميا، ولم نر دراسات وبحوث تتبناها الحركة ببلادنا، وكل الأعمال هي بعيدة عن العمق التربوي وغاياته المجتمعية الداعمة لتنمية الإنسان والارتقاء به، ليواكب المنافسة الشرسة التي يفرضها علينا العالم المعاصر.
تبين الفكر السطحي لقادة الحركة الكشفية عن محدودية تفكيرهم وأعمالهم ورؤاهم، وأدى بهم الأمر إلى نزعة أنانية لدرجة العدوانية، جعلتهم يرفضون الآخر دون أي مبرر معقول، ويقبلون للحركة أن تنغمس في التشتت والتفرقة. لقد أدت سطحيتهم بالانشغال بأمور خارج سياق اهتمامات المجتمع، وخارج التوجهات التربوية، وخارج السياسات العمومية، ويوهمون أنفسهم بأنهم يؤدون عملا، وكل من يأتي برؤية جديدة تفوق محدوديتهم وسطحيتهم فهو عدو لهم، هؤلاء هم من يجعلون الآباء والمتهمين بقضايا التربية ينظرون إليها باحتقار، لأن من يقودنها هم من احتقروها، واحتقروا المخلصين وسفهوهم، وأبعدوهم بالإقصاء الممنهج .
لقد تأصلت لديهم السطحية دون أن يعوا بمحيطهم القريب والبعيد، وترسخ لديهم الغرور والافتخار بالإنجازات السابقة التي لا نعلم عن حقيقتها إلا ما يتفوهون به، والتباهي والتعالي على الأجيال الحالية بأوسمتهم وقلاداتهم التي لا تنعكس عنها أي فائدة وأي مردود على الحركة وعلى المجتمع.
استمرار تشتت الحركة الكشفية :
من المستفيد من تشتت وتمزق الحركة ببلادنا ؟ من الذي يريد أن تبقى أمور الحركة في هذا التعطل وهذا الانشطار، إنهم الفاشلون الذين يجترون فشلهم ويفرضونه على المجتمع قصرا، إنهم الفاشلون النائمون، الذين لا تحركهم فورة حماس الشباب المقبل على الأنشطة الكشفية، الراغبون للارتماء في أحضانها رغم الحصار، يقبل الفتية والشباب على إنشاء تنظيمات كشفية، لأنهم يفورون حماسا ورغبة، لكن الغيبوبة الدائمة لأغلب قادة الجامعة وبالخصوص الشيوخ والعجزة منهم، جعلتهم خارج التاريخ. لأنهم أصحاب الريع وأصحاب المصالح الشخصية. أيعقل أن تصبح الحركة الكشفية على هذا الوضع، مع العلم أنها أقدم تنظيم تربوي بالبلاد، ومتوفرة على امتياز النفع العام، ولها حظوة ومكانة لما قدمته من خدمات في السابق، وحالها الآن ورغم التمزق، تشكل أكبر نسبة من المنتمين للتنظيمات الجمعوية، وبدون وعي وبدون أي اعتبار لمن يشرفون على هذا التنظيم ترتمي تحت رحمة تنظيم تكتلي فاشل، عوض الاهتمام بتكتيل وتوحيد الحركة الكشفية، تسمح لنفسها قبول فساده وإهماله، إذن ما الذي يجبر تنظيما عريقا أن يظل تحت رحمة هؤلاء الفاشلون، السبب بسيط جدا، الفاشلون يرتمون في أحضان بعضهم البعض لمواصلة جمود الحركة.
غياب المساءلة :
الحركة الكشفية ببلادنا جزء من مكونات المجتمع المدني، وما ينص عليه دستور الحركة الكشفية العالمية أن يشكل تكتلا إجباريا داخل كل دولة إذا تعددت تنظيماته الكشفية، ظل هذا التكتل مقتصرا على ثلاث جمعيات (دون أن نذكر بالأخطاء التي أقصت تنظيمات كشفية في الماضي دون أي مبرر منطقي) السؤال من هي الجهة التي من حقها محاسبة ومساءلة الجامعة، بما أنها تنظيم جمعوي، فإن من يخول له مساءلتها ومحاسبتها هم الأعضاء المنتمين إليها، بمعنى أنهم سيحاسبون أنفسهم، لكن هذا الطرح يسري على تنظيمات منتمية لتنظيم دولي، وله قواعد قانونية دولية إجبارية، لابد من التقيد بها، حيث ينص دستور الحركة الكشفية على ما يلي : ” لا تعترف المنظمة العالمية إلا بهيئة كشفية واحدة في داخل كل دولة و يمكن أن تتكون الهيئة الكشفية القومية من أكثر من جمعية كشفية واحدة تشترك في اتحاد يقوم على الهدف العام للكشفية، ومن مسؤولية هذا الاتحاد التأكد من تحقيق كل جمعية مشتركة فيه لمتطلبات هذا الدستور “. إذن هناك جهة أخرى بقوة القانون الكشفي العالمي يمكنها أن تحاسب الجامعة على عدم احترامها للدستور العالمي، ومن هذا المنطلق من حق الجمعيات المرفوضة أن تطالب بحقها في الانضمام للجامعة، ومن حقها مساءلتها عن عدم تطبيقها لما ينص عليه دستور الحركة.
على الجامعة أن تبادر بمحاسبة نفسها دون أن يحاسبها أحد، والاسراع بتجميع شتات الحركة الكشفية، وتنظيم كيانها، وترتيب أمورها القانونية والإدارية والتقنية، وخصوصا التربوية التي لها انعكاس على الممارسة الكشفية المباشرة مع الأطفال والفتية والشباب، وهذه هي غاية وجودها، حيث جاء في دستور الحركة ما يلي : ” الهدف من الحركة الكشفية هو المساهمة في تنمية الشباب لتحقيق أقصى قدراتهم البدنية والعقلية والاجتماعية والروحية كأفراد وكمواطنين مسئولين وكأعضاء في مجتمعاتهم المحلية والقومية والعالمية “.
منذ سنوات وأغلب الكشافة ببلادنا أدركوا أن المسؤولين على الحركة يفتقدون للشعور بالمسؤولية، ولا يراعون حجم المهام والأدوار التربوية الموكولة إليهم، وظل الوضع يتأزم سنة بعد أخرى دون إحساس بالمسؤولية، انتظر الكشافة على الأقل منذ سنة 1997 أن يشعروا بالمسؤولية من أجل تجاوز هذا التأزم، حتى تعودوا على هذه الوثيرة الراكدة، لكن الوضع لم يعد يسمح بهذا التراخي والتسامح، بل وجب الآن من يسائلهم ويحاسبهم على إهمالهم وعلى ضياع الوقت الثمين، وعلى تداعياته السلبية على الأطفال والفتية والشباب، وعلى التنظيمات الكشفية التي ملت الانتظار، فبعد 20 سنة أدخلوا الحركة في الانتظارية، فمن يحاسبهم على ذلك ؟
خلاصة :
لتكون الحركة الكشفية عند حسن ظن رئيسها الفعلي الأمير مولاي رشيد، والذي ما فتئ يدعو للوحدة، ولمواكبة هذه الطفرة النوعية الهامة التي تعرفها بلادنا، وبدافع المواطنة المسؤولة يفرض الوضع على قادة الحركة طرح موضوع وحدة الحركة الكشفية على المستوى الوطني للدراسة والتفعيل بكل جدية، لكونه أصبح ضرورة حتمية ومستعجلة، تتطلبها احتياجات المجتمع وتتطلبها انتظارات وتطلعات الأطفال والفتية والشباب، الذين ينتظرون فرصة للتعبير عن قدراتهم وإمكانياتهم، عبر ممارسة النشاط الكشفي في صيغته التربوية الأصيلة، كما اعتمدها المكتب الدولي، وكما تمارسها كل الهيئات الكشفية في أغلب دول العالم.
يرى العديد من المهتمين بالقضايا التربوية والكشفية أن المرحلة الحالية جد مُناسبة للقيام بطفرة نوعية مميزة، لإعادة بريق الحركة وتوهجها، عبر الانطلاق من المكتسبات الحالية التي راكمتها الجمعيات، اعتبارا لموقعها داخل النسيج الجمعوي، واعتبارا لقدراتها الفعالة في التأطير والانتشار واستقطاب الأفراد والجماعات، يمكنها أن تجد المناخ السليم انطلاقا من المكتسبات الحالية التي يمكن الانطلاق منها لتحقيق الأهداف، عبر الاهتمام بالأطفال والفتية والشباب الذين هم في أمس الحاجة للكشفية، لتأطيرهم والاهتمام بقضاياهم الآنية والمستقبلية .
على الجامعة أن تقوم بجرأة وبرغبة واقتناع ، السعي لتحقيق طفرة نوعية هامة، تلاؤما مع القوانين الكشفية الجاري بها العمل عالميا، والقيام بصياغة رؤية إستراتيجية جديدة للحركة في صورة وطنية شاملة، تجمع خلالها القدرات التي تمتلكها كل التنظيمات الكشفية وطنيا مع وضع خطة عمل استعجاليه وفق جدولة زمنية محددة، بواسطة برنامج دقيق، يشمل مكونات الرؤية الإستراتيجية وإجراءاتها التنفيذية، تحقيقا لرغبة الأمير مولاي رشيد الرئيس الفعلي للجامعة.