طنجة :البراءة لشخص اعترف أمام المحكمة أنه نصب على الغير في مليار سنتم
خالد العطاوي
لا تتوقف بعض أحكام القضاة عن “إبهار ” المتقاضين، فالدهشة والصدمة صفتان لأحكام لا يصدقها المنطق، ولو طردت مستثمرين أجانب، وأفقدت الثقة في شعارات إصلاح العدالة ، و إحدى غرائب هذه الأحكام شهدتها المحكمة الابتدائية بطنجة، وتتعلق بقضية مستثمرين أجنبيين (روســـــــــي وألمانــــــي)، منحـا مغــــربيا مليارا لتأسيس شركة في عاصمــــــــة البوغــــــاز، فبدأ يتماطل ويراوغ، وحين ألقي القبض عليه اعترف أمام رجال الشرطة ووكيل الملك وقاضي التحقيق وقاضي الجلسة بتسلم المبلغ، ثم حكم عليه بالبراءة.
ملف المتابعة به عشرات الأوراق والأدلة التي توبع بها المشتكى به، في حالة اعتقال، بتهمة “النصب وعدم تنفيذ عقد”، وهي التهمة المنصوص على عقوبتها في الفصلين 540 و551 من القانون الجنائي، ثم استمعت إلى أحد شهود عيان خلال محاكمته الذي قال إن المتهم اعترف أمام القاضي بتلقي مليار، وإنه مستعد لإجراء الصلح ومنحه مهلة لتسديد المبلغ، بل إن محامي المستثمرين طلب من كاتب الضبط، حسب ما ينص عليه القانون، تلاوة اعترافه في الجلسة، وفي الأخير نطق القاضي بحكم البراءة أمام استغراب الجميع.
بدأت تفاصيل الملف، حين تقدم الممثل القانوني للمستثمرين الأجنبيين بشكاية إلى الشرطة القضائية بطنجة تتهم مغربيا بالنصب، بعد تسلمه مبلغا ماليا، ثم تخلى عن التزامات وعوده، وحين حاولت الشرطة الاستماع إليه غاب عن الأنظار، ما دفعها إلى إصدار مذكرة بحث في حقه، انتهت بإيقافه بمطار محمد الخامس بالبيضاء لحظة محاولته السفر إلى ألمانيا.
وباشرت الشرطة القضائية بطنجة إجراءات البحث مع المتهم بالاستماع إلى ممثل المستثمرين، الذي أكد أن الأخيرين اتفقا مع المشتكى به في 2009 على تأسيس شركة بالمنطقة الحرة بطنجة متخصصة في صناعة الأجهزة الرقمية، ويتولى المشتكى به تسييرها وتدبير جميع شؤونها، وحولا إليه مبالغ مالية قدرت بحوالي مليار سنتيم، ثم أدلى الممثل القانوني بشهادة الاعتراف بالدين التي يقر فيها المشتكى به بتوصله بالمبلغ.
لم يلتزم المشتكى به بمضمون الاتفاق أو حتى ربط الاتصال بالمشتكيين للوقوف على وضعية الشركة، ثم توصل المستثمران إلى أن الشركة أوقفت نشاطها، وحين ربطا الاتصال به بدأ يماطلهما ويعدهما بإعادة المبلغ، لكن دون فائدة.
لم يجد المحققون عناء أثناء البحث مع المشتكى به، إذ صرح أنه يعرف المستثمرين، وسبق له الاشتغال مع أحدهما بألمانيا، كما اتفق معهما بتسويق منتجات شركته بروسيا، مقابل نسبة من الأرباح في حوالي ثلاث عمليات تجارية، سيما أنه كان يزودهما بأجهزة إلكترونية بثمن منخفض، ما جعل الشركة في وضعية تجارية جيدة، قبل أن يتخلى أحد المشتكين عن التعامل معه.
واعترف المشتكى به بشهادة الإقرار بالدين، وقال، أمام المحققين، إنه منحه للمشتكيين باعتباره ضمانة على حصوله على مليار توصل بها عن طريق تحويلات بنكية في حساب شركته، مقابل أن يفوت لهما حصصا من الأسهم ومعدات الشركة، بل أكثر من ذلك أكد استعداده لإعادة المبلغ على أساس أن يتم ذلك مع المشتكين لوجود معاملات تجارية معهم.
سار البحث في طريقه العادي جدا، إذ أحيل الملف على وكيل الملك بطنجة الذي أحاله على قاضي التحقيق، ملتمسا منه توجيه تهمة “النصب وعدم تنفيذ عقد ” ومتابعته في حالة اعتقال.
وروى المتهم، أمام قاضي التحقيق، تفاصيل علاقته مع المشتكيين، موضحا أنه اقترح على الروسي الاستثمار معه في المغرب، وذلك بسبب المبالغ المالية الكبيرة التي يتطلبها إنجاز المشروع، واقترح عليه تمويل جزء من المشروع، مقابل نصيب من الأرباح، مشيرا إلى عدم إنجاز أي عقد مكتوب في الموضوع، وأنه تسلم مبلغ مليار وحولها إلى حساب شركة، وبدأ العمل في المشروع، ملتمسا، للمرة الثانية، إجراء صلح مع المشتكيين، وهو ما لم يمانعه ممثلهما القانوني، ضمانا لحقوق موكليه، ثم قرر قاضي التحقيق متابعته في حالة اعتقال وفق التهم الموجهة إليه.
وقف المتهم أمام القاضي ساردا التفاصيل نفسها، ومعلنا رغبته في تسديد المبالغ المالية… ثم جاء الحكم “الصاعقة “: البراءة من التهم الموجهة إليه وعدم الاختصاص في المطالب المدنية.