التحريات والتحقيقات التي أمر بها جلالة الملك بخصوص مشروع الحسيمة منارة المتوسط، قادت لحقيقة ظل جلالة الملك ينبه لها مرارا في خطبه الأخيرة، والتي كانت تشير دائما لمسؤولية الإدارة العمومية في مايقع عبر التراب الوطني من مشاكل، كان من الممكن تفاديها، لو قام القيمون على الشأن العام بمهامهم.
تقرير المجلس الأعلى للحسابات، أكد أن التحريات والتحقيقات التي قام بها أثبتت وجود مجموعة من الاختلالات تم تسجيلها في عهد الحكومة السابقة، وهو أمر بقدر مايحمل المسؤولية لبعض الوزراء المسؤولين عن قطاعات بعينها، بقدر ما يحمل كذلك مسؤولية، على الأقل أخلاقية لرئيس الحكومة السابق، الذي دخل في سجالات عقيمة، عوض تتبع عمل وزرائه وتقييم أدائهم.
مسؤولية القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية، التي لها علاقة بمشروع الحسيمة، تمثلت في عدم وفائها، كما كشف تقرير مجلس الحسابات، بالتزاماتها في إنجاز المشاريع، وأن الشروحات التي قدمتها، لا تبرر التأخر الذي عرفه تنفيذ هذا البرنامج التنموي. وقد أكد هذا التقرير كذلك عدم وجود حالات غش أو اختلاسات مالية.
وإذا كان هذا المشروع قد سجل كل هذه الخروقات التي ترقى في بعض جوانبها إلى وجود اختلالات، فهو أمر بالتأكيد لايرتبط بهذا المشروع بحد ذاته، بل هو مرتبط بالأساس بتدبير الشأن العام عبر سنوات، وفي قطاعات عديدة، وهو أمر يمكن استشرافه بتتبع الخطب الملكية، التي تناولت عددا من الاختلالات، انطلاقا من تدبير الشأن العام المحلي، إلى قطاع القضاء، مرورا بالمراكز الاستثمارية، إلى ملف المهاجرين المغاربة والعراقيل التي يواجهونها داخليا وفي القنصليات والسفارات.
وربما كان ملف الحسيمة القشة التي قسمت ظهر البعير، باعتبار أن ملفات سابقة كشفت عبر السنوات، اختلالات مماثلة، لكنها لم تصل أبدا لمستوى الإشارة المباشرة للوزراء وتحميلهم مسؤولية ماوقع، هذا ربما مادفع جلالة الملك للحديث عن الزلزال السياسي، الذي كانت العديد من مؤشراته تعتمل تحت الأرض، قبل أن تخرج هذه التموجات الأرضية حممها وتصيب من كان على سطح المسؤولية.
لقد وقع الزلزال السياسي، وربما تكون وراءه المزيد من التوابع، لكن لابد من الاستفادة من حدوثه، فكما كان زلزال أكادير مناسبة لأن يعاد بناء هذه المدينة على أسس حديثة، كذلك لابد أن تكون لهذا الزلزال السياسي، نتائجه التي تعفينا من كوارث آخرى، كما نتمنى أن تعفينا من مسؤولين وسياسيين مشوهين، لم يعد الزمان ولا المكان يقبل بوجودهم.