المغرب/اسرائيل/ترامب/البوليساريو

في اطار ردود الأفعال التي اعقبت اعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن اعترافه بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، واعلانه “أن الولايات المتحدة الامريكية تقر بأن اقليم الصحراء الغربية هو جزء من المملكة المغربية”، ودعمه لاقتراح المغرب “الجاد والموثق والواقعي للحكم الذاتي” باعتباره الأساس “الوحيد” لحل عادل ودائم للنزاع على اراضي الصحراء الغربية.
واعتبارا لتزامن هذا الاعتراف مع اعلان المغرب لاستئناف فتح مكاتب الاتصال بين المغرب واسرائيل التي سبق غلقها سنة2002 على اثر الانتفاضة الثانية، في افق اقامة علاقات دبلوماسية…
اقول أن ردود الأفعال على هذين الحدثين جاءت متابينة الى حد كبير، ففي حين ابدت الجهات الرسمية المغربية والشريحة الأعرض من الجمهور المغربي، احتفاءها بل واحتفالها بالاعلان الامريكي بصفته اختراق دبلوماسي غير مسبوق، وحدث استثنائي، شكل ضربة موجعة للانفصاليين، وصدمة كبيرة لداعمتهم الأولى الجزائر…من جهة أخرى فوجئ بعض المواطنين بالقرار، وتشكلت قناعة لدى بعضهم بأن المغرب انضم الى ركب التطبيع، وتخلى عن دعم القضية الفلسطينية، وهذه الطائفة بدت كمن لا يولي أهمية قصوى للقرار الامريكي بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، وتقاطعت اصواتهم -ربما عن غير قصد -مع مزاعم البوليساريو المروجة لادعاءات أن المغرب قايض القضية الفلسطينية بالاعتراف بمغربية الصحراء.
من المناسب هنا القاء الضوء على بعض المغالطات التي يحرص ممثلي للبوليساريو على ترديدها عبر قنوات الاعلام، دون أن تجد من يفندها، ويضعها في اطارها الصحيح منها:
اولا:
مقولة أن ” قضية الصحراء لازالت معروضة امام انظار الأمم المتحدة كقضية تصفية استعمار” ويصدق في هذا القول أنه حق أريد به باطل، ذلك أن المغرب هو أول من بادر في مستهل عقد الستينات الى ادراج قضية الصحراء امام “اللجنة الرابعة” التابعة للأمم المتحدة، وظلت القضية مدرجة أمامها في انتظار وصول مجلس الأمن الى حل للقضية.
وهنا لابد من توضيح أمر لغير الملمين بأجهزة الأمم المتحدة واختصاصاتها.
ف “اللجنة الرابعة” مثلا تتبع للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تضم جميع دول العالم المنضوية في اطار الأمم المتحدة، وتسهر على اعداد قرارات تعرضها على الجمعية المذكورة، التي تصوت عليها لتصبح” توصيات” فاقدة لعنصر الإلزام.
أما مجلس الأمن، الذي يمثل أعلى سلطة في الأمم المتحدة، والمكون من 15 عضو، منهم 5 دائمين يمتلكون حق النقض(الفيتو)، والذي يصدر قرارات ملزمة تسهر الأمانة العامة على مواكبتها ، وبذل الجهد اللازم من أجل تنفيذها، هذا المجلس هو المنوط به ايجاد حل لقضية الصحراء، بصفتها “نزاع” بين أطراف، وليست قضية تصفية استعمار، لذلك لجأ مجلس الأمن – في اطار بحثه عن حل – الى مقاربة مبدأ تقرير المصير، الذي يستدعي اجبارا آلية الاستفتاء، وهكذا انشأ المجلس المذكور بعثة “المينورسو” للاشراف على استفتاء في الصحراء، واحدث ضمنها لجنة أسند اليها عملية “تحديد هوية الجسم الانتخابي”، وكانت لي فرصة المرور أمام هذه اللجنة، وان كانت قد صادقت على صحة “هويتي” ومنحنتني وثيقة خطية أممية بذلك، الا أني شاهدت كيف أن نفس اللجنة بنفس الأعضاء وفي ذات التاريخ، قضت بصحة هوية أخ وعدم صحة هوية شقيقه دون تبرير لذلك، ولاحقا اصطدمت جهود اللجنة بعقبات حالت دون استمرارها، لتتوقف قبل انهاء مهامها، كاشفة عن عجز أجهزة الأمم المتحدة عن تحديد هوية مجتمعات بدوية، تتسم حياتها بطابع الترحال، ويحول تداخل نسيجها القبلي دون حصرها في حيز جغرافي ضيق، وكفت بذلك الأمم المتحدة عن مقاربة الاستفتاء لاستحالة اجرائه، بعد فشلها في تحديد هوية الهيئة الناخبة، واستعاض مجلس الأمن عن ذلك بتبني مبدأ البحث عن حل توافقي عادل وداىم…وهو ما تناغم معه الاقتراح المغربي بالتفاوض حول مشروع حكم ذاتي موسع.
ويتبين لنا هنا تهافت مغالطة البوليساريو، وكون الأمر يتعلق بفشل الأمم المتحدة في تحديد هوية الهيئة الناخبة، وأن المغرب -خالفا لمزاعم الجزائر والبوليساري- هو من يقدم المبادرات، والطرف الآخر هو الذي يعرقلها، وأن قضية الصحراء معروضة فعليا أمام أنظار مجلس الأمن كقضية نزاع بين أطراف، وليست قضية تصفية استعمار.
ثانيا:
مزاعم البوليساريو أنه لا توجد دولة في العالم تعترف أن الصحراء جزء من المملكة المغربية، والرد على ذلك هو أنه لا توجد دولة في العالم تعترف أن سيناء مصرية، أو طنجة مغربية، أو أن الجنوب لبناني، او أن الألزاس واللورين فرنسيتان، أو أن كاليفورنيا أمريكية، او أن الهوݣار جزائرية…ذلك أننا لم نسمع قط بدول تطالب أخرى بأن تعترف لها بكل جزء من أرضها يتم استرداده…!
فالمغرب كما أن احتلاله تطلب خمسة عقود(من 1886 نزول الاسبان بوادي الذهب، الى 1934 احتلالهم لسيدي ايفني) فان تحريره من قوتين استعماريتين تطلب حوالي ربع قرن( 1956 استرجاع منطقتي الحماية بالجنوب والشمال،1957 استرجاع منطقة طنجة الدولية،1958 استرجاع اقليم طرفاية، 1969 استرجاع سيدي ايفني، 1975 استرجاع الساقية الحمراء،1979 استرجاع وادي الذهب) هل كان على المغرب ان يطالب المجتمع الدولي كل مرة بأن يعترف له بسيادته على كل اقليم تم استرجاعه…؟
غير أن اعتراف غالبية المجتمع الدولي بسيادة المغرب على صحرائه تمثلت في عدة مظاهر، منها مشاركة بعض الدول الشقيقة والصديقة في المسيرة الخضراء، ومنها حرص بعد الدول والهيئات الدولية على تنفيذ زيارات ذات طابع سياسي الى الأقاليم الجنوبية، ومنها ابرام بعض الدول والتكتلات الدولية – مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية- لاتفاقيات تشمل الأقاليم الجنوبية، وبخلاف ذلك فإن زهاء خمسين سنة من سعي الجزائر الدؤوب المعزز بامكانياتها البترولية، لم يسفر الا عن اعتراف أقل من20 في المائة من دول العالم بالجمهورية المعلنة بمخيمات تيندوف، جلهم من الدول الميكروسكوبية بالكاريبي والمحاط الهادي.
اذا مغالطة أن لا أحد يعترف بمغربية الصحراء مغالطة ساقطة.
ثالثا:
مغالطة أن المغرب قايض الاعتراف بسيادته على صحرائه بتنازله بل و”بيعه” للقضية الفلسطينية…!
وما يرد على هذه المغالطة هو اتصال جلالة الملك بالرئيس الفلسطيني أبو مازن، حيث جدد له الموقف المغربي الثابت من القضية الفلسطينية، المتمثل في دعم المغرب الدائم لحق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة على أرض 67،وان تكون عاصمتها القدس الشرقية التي يجب الاحتفاظ بطابعها الاسلامي…
اذا أين التخلي عن القضية الفلسطينية أو مقايضتها…؟
إنني اتحدى من يعتنق وجهة النظر هاته أن يرشدني الى موقف واحد تتميز به الجزائر أو تركيا أو غيرهما عن المغرب يكشف عن تفوق دعمهم للقضية الفلسطينية عن موقف المغرب.
فالمغرب يحتاج الى عقود من الزمن، حتى تصل علاقات التعاون بينه وبين اسرائيل الى مستوى علاقات تركيا بها، والجزائر تحتاج الى عقود من الزمن حتى تستطيع ان تقدم للفلسطينيين الدعم غير المشروط الذي يقدمه المغرب، ولن تملك أبدا ما للمغرب من تأثير على صناع القرار في الغرب حتى تجيره للشعب الفلسطيني.
وفي الختام يجب قراءة اعادة تنشيط علاقات المغرب مع اسرائيل في سياقها المغربي المميز، وعدم النظر اليها من زاوية الهرولة نحو التطبيع الذي قادته الامارات العربية المتحدة.
فالمغرب هو الدولة العربية الوحيدة التي تمتلك جالية من اليهود المغاربة بإسرائيل تتجاوز المليون، ضمنهم عشر وزراء بالحكومة الاسرائيلية، ومعلوم أن ديباجة دستور المملكة الذي صوت عليه الشعب المغربي سنة2011، نصت على اعتبار المكون العبري رافدا من روافد الهوية المغربية، وأن اليهود المغاربة المقيمين بالخارج يتمتعون بحقوق المواطنة كاملة كما ينص على ذلك الفصل17 من الدستور…
ثم ان هذا القرار جاء وليد حوار ومفاوضات دامت ثلاث سنوات حسب ماورد ببيان الدوان الملكي، ولم تصدر أي اشارة عن المغرب الى تطبيع للعلاقات، او توقيع اتفاقيات اومعاهدات سلام مع اسرائيل، خلافا للدول العربية الأخرى، وهذا يسمح لنا باستنتاج أن المغرب جاد في دعمه للحق الفلسطيني، وأن اي تطبيع حقيقي أو سلام لن يكون الا بتحقيق الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
اما قرار امريكا في شخص رئيسها دونالد ترامب، بشأن اعتراف امريكا بسيادة المغرب على الصخراء،فهو هدية قيمة للمغرب، صادرة عن دولة عظمى تمتلك حق الفيتو في مجلس الأمن، والمشرفة حصريا على اعداد مشاريع القرارات المتعلقة بقضية الصحراء، مما سينعكس بدون شك على مقاربة مجلس الأمن للقضية.
ومن غير المستبعد أن تحذو قوى غربية نافذة معروفة بقربها من امركا(مثل بريطانيا وكندا وأستراليا..) حذوها، الشيء الذي قد يسرع في ايجاد حل للقضية.
خلاف لما يعتقده البعض – ويتمناه البعض الآخر- فانه من المستبعد أن تلجأ الادارة الامريكية الجديدة، الى مراجعة هذا القرار، اعتبارا لما للوبي المناصر للمغرب في أمريكا من تأثير على صناع القرار هناك، فضلا عن مصلحة اسرائيل التي ستدفعها الى استثمار علاقاتها المميزة مع الحزب الديمقراطي الأمريكي من أجل عدم اغضاب المغرب حتى لا يتراجع عن الخطوات التي أزمع القيام بها، وما صمت بايدن حتى الآن عن التعليق على الاعلان، رغم وضعه في الصورة منذ مدة الا مؤشرا عن رأي الادارة القادمة.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*

x

Check Also

الشرطة الإسبانية تبحث عن ( المافيووي) المغربي الهيشو

  طنجة  اليوم : الوكالات  تواصل السلطات الإسبانية ملاحقة مواطن مغربي من ...