مراسلة
من يطالع قصاصة وكالة الأنباء الفرنسية (AFP) حول الإصلاحات السيبرانية التي قامت بها شركة “آبل” مؤخرا لتجاوز الخلل المسجل في بعض تطبيقاتها، يدرك- بما لا يدع مجالا للشك-بأن إحدى فقرات هذه القصاصة قد تم إقحامها عمدا في صلب النسخة الفرنسية، بينما تم إغفالها بشكل مقصود في النسخة العربية، وذلك لأغراض ومرامي لا يعلمها إلا العقل الباطن الذي يتحكم في دواليب الدولة الفرنسية.
فمكتب وكالة الأنباء الفرنسية بسان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأمريكية بث، في ساعة متأخرة من مساء أمس الاثنين، قصاصة إخبارية يتحدث فيها عن الإصلاحات التي قام بها عملاق الهواتف والحواسيب النقالة “آبل” لتجاوز الخلل المسجل في بعض تطبيقاته، والذي كان يسمح بحدوث الاختراق المعلوماتي أو القرصنة عن طريق التقنيات المتطورة الحديثة. ولأن العقل الباطن أو “المخزن الفرنسي” في نفسه غصة من النجاحات المغربية الأخيرة، خصوصا بعد كسب رهان الانتخابات على مسار الديموقراطية، فقد أصدر تعليماته لمن يهمه الأمر لإقحام ومعاداة المغرب في قصاصة تتحدث عن الهواتف المحمولة!
وكم بدت سخيفة ومدعاة للسخرية وكالة الأنباء الفرنسية وهي تقحم المغرب (عنوة وخارج السياق) في النسخة الفرنسية من هذه القصاصة، المنشورة أصلا من حوض سان فرانسيسكو بالمحيط الهادئ أي على بعد آلاف الأميال من المغرب! ولعل الراجح أن هذه القصاصة خضعت لتوضيب ولإعادة تركيب داخل المكتب المركزي بباريس، حيث تم إقحام فقرة شاذة ومبتورة من سياقها، تتحدث عن مزاعم استعمال الأجهزة الأمنية المغربية لنظام بيغاسوس للتجسس على الرئيس والمسؤولين الفرنسيين! وذلك بالرغم من أن المملكة المغربية نفت في أكثر من مناسبة هذه المزاعم والادعاءات التي لا يليق بوكالة رسمية تكرارها بدون سند وحجج دامغة.
-
لكن المؤسف ليس في نشر القصاصة بهذه الطريقة الاعتباطية وخارج السياق، ولا في انضمام وكالة إخبارية رسمية لجوقة المروجين للأخبار الزائفة التي تستهدف المغرب وأجهزته الأمنية، وإنما المؤسف حقا هو أن توجه وكالة الأنباء الفرنسية ماسورتها نحو صدرها وتطلق النيران على حذائها، وهي تعتقد زاهية بأنها تقطر الشمع على المغرب. فالوكالة الفرنسية الرسمية قدمت مسؤولي بلادها، بمن فيهم رئيس الدولة، وكأنهم “مكشوفين معلوماتيا” بدون حماية سيبرانية، وهي زلة لم يستحضرها العقل الباطن الفرنسي في حمأة استهدافه الممنهج للأجهزة الأمنية المغربية.
فقد كان حريا بوكالة (AFP) أن تتحدث عن الآليات الحمائية التي اعتمدتها إدارة نظم المعلوميات الفرنسية لحماية المسؤولين الفرنسيين، بمن فيهم الرئيس ماكرون، من مخاطر الخلل الذي أصاب تطبيقات هواتف آبل، أمّا أن تنضم هي الأخرى لكورال الدعاية المغرضة الذي يستهدف المغرب عبر الترويج لمزاعم بيغاسوس، فهذا ليس له سوى تفسير واحد: وهو أن “المخزن الفرنسي” مكلوم من نجاحات المغرب الأخيرة وتحديدا كسب رهان الانتخابات التشريعية والجماعية.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح في هذا الصدد: هو لماذا تعمدت وكالة الأنباء الفرنسية إقحام المغرب ومصالحه الأمنية في النسخة الفرنسية من القصاصة وأعرضت عن ذكرهما في الصيغة العربية؟ هل لأن من يتكلف بالترجمة لم يجد المرادفات المناسبة للتهم المكتوبة بالفرنسية في حق الأجهزة الأمنية المغربية؟ أم لأن المخاطب الرئيسي في هذه القصاصة هو الرأي العام الفرنسي وليس المغربي؟ وبتعبير آخر أكثر بساطة ووضوح هو أن الرأي العام الذي يحتاج للتعليب ضمن مربع وخانة الاستهداف الممنهج للمغرب هو الرأي العام الفرنسي، وليس المغربي، لذلك لا بد من دغدغة مشاعره ولو باستعمال أخبار السوق وصحافة الأرصفة الصفراء.