الدولة الإجتماعية في صلب الدورة الرابعة للجامعة الصيفية لشبيبة الأحرار: خلاصة وتفاعل
طنجة اليوم : إبراهيم مومي
لم تعد فكرة الدولة الاجتماعية مجرد شعار للاستهلاك السياسي في الفضاء العام، فبعد تولي حزب التجمع الوطني للأحرار لرئاسة الحكومة بقيادة السيد عزيز أخنوش، وهي الحكومة الثالثة منذ الإقرار الرسمي بدستور الحريات والحقوق الأساسية؛ استطاع أن يبلور هذا المشروع الملكي على أربع مراحل أساسية:
1_ تشخيص واقع الحال الاجتماعي والاقتصادي على طول المدة التي أعقبت نتائج الانتخابات التشريعية في 07 أكتوبر 2016، من خلال “مسارالمدن” كأكبر عملية استشارية سياسية في تاريخ العمل الحزبي؛
2_ تثبيت نتائج التشخيص في البرنامج الانتخابي كقاعدة أساسية لخوض غمار منافسة مشروعة ومسندة بمؤشرات رقمية دقيقة في انتخابات 08 شتنبر 2021 (الالتزامات الخمسة: الحماية الاجتماعية، الصحة، الشغل، التعليم، الإدارة) والذي أطلق عليه شعار “مسار الثقة”؛
3_ الإقرار الفعلي لمشروع الدولة الاجتماعية في البرنامج الحكومي (2021_2026) الذي يعبر عن إرادة التحالف الحكومي الثلاثي (RNI_PAM_PI)، والموسوم في أدبيات قائد الائتلاف ب”مسار التنمية”؛
4_ انطلاق عملية تفعيل وأجرأة مشروع الدولة الاجتماعية بدء من السنة التشريعية الأولى من الولاية الإجمالية للحكومة حيث تحققت نتائج جد مشرفة (يستعرضها الناطق الرسمي باسم الحكومة السيد مصطفى بايتاس والسيد رئيس الحكومة عزيز أخنوش في مناسبات عدة كان آخرها الجلسة الافتتاحية للجامعة الصيفية المنعقدة بمدينة أكادير) رغم التأثيرات السلبية الناتجة عن السياق العام الوطني، إذ باتت الحكومة تدبر حالة استثنائية ممتدة في الندرة بدل الوفرة بسبب آثار الجفاف وندرة المياه مما تسبب في موسم فلاحي قاحل من حيث المردودية وبالتالي ضعف مؤشر الناتج الداخلي الخام؛ علاوة على الاعطاب الموروثة عن الحكومتين السابقتين؛ كما ينضاف السياق الدولي عاملا جوهريا في تكريس حالة الندرة؛ واقصد هنا، انتشار وباء السارس كوفيد 19 في جميع مناطق العالم وتسببه في شلل شبه كلي لحركة الملاحة الدولية وتقلص سلاسل الإنتاج الحيوية بسبب توقف النشاط الإنتاجي في عدة شركات ومقاولات في مجمل دول العالم، وكذلك إفلاس العديد منها بسبب إعلان الدول الأطراف في الأمم المتحدة عن حالات الطوارئ الصحية، ونتيجة ذلك، تراجعت التجارة الدولية بشكل غير مسبوق، مما اضطرت معها الدول الصناعية والزراعية الكبرى إلى الاعتماد على نظام الاقتصادات المغلقة (المبادلات البينية) خاصة بين الاتحادات الجهوية والإقليمية، ولو بشكل جزئ.
، ولم تكن بلادنا بمنأى عن تأثيرات هذه الأزمة الدولية؛ بل كانت جزء من ضحاياها الناجين بفضل السياسة التدخلية والنهج الاستباقي والحكامة الجيدة التي نهجها جلالة الملك محمد السادس، وتفاعل معها معظم افراد الشعب المغربي إيجابا، إذ عكَس من أجل ذلك وعيا وطنيا ممزوجا بحس كبير من المسؤولية. والأكثر منه، وكان لحرب روسيا على أكرانيا الأثر البالغ في تعميق الأزمة ليس فقط على المغرب والدول العالم ثالثية بل امتد أثرها في عمق البلدان الصناعية كالاتحاد الأوربي.
ولغايةالتفاعل حول هذا الورش الذي يستمد مشروعيته ومصداقيته من الإرادة الملكية السامية، ويستلهم فلسفته من النموذج التنموي الجديد في أفق 2035، حيث إنه بعد مرور سنة على تبوئ حزب التجمع الوطني للأحرار الصدارة في نتائج الانتخابات التشريعية، بادر بشكل ديمقراطي إلى اطلاع الرأي العام الوطني خلال يومي 09_ 10شتنبر 2022 على حصيلة سنوية مشرفة لمنجزات الحكومة، كما أخضع هذه التجربة الفتية لمساءلة شبابية بصبغة تواجهية مع المسؤولين من السيدات والسادة الوزراء والمنتخبون وذوي الاختصاص والخبرة، من خلال آلية المشاركة في ورشات تفاعلية متنوعة ضمن محطة الجامعة الصيفية المقامة بمدينة أكادير، والتي تنظمها الفيدرالية الوطنية للشبيبة التجمعية. يمثل هذا الحدث تمرينا ديمقراطيا قد يؤسس لتقليد رقابي سنوي في التجارب اللاحقة، مما سيساهم لا محالة وفق المنطق التراكمي في تخليق الحياة السياسية وتجويد الأداء الحكومي والرفع من مؤشر الحكم الرشيد.
هذا الانكباب الحكومي على إرساء الدعائم الأولى لورش الدولة الاجتماعية (نموذج تحويل نظام المساعدة الطبية راميد _RAMED_ إلى نظام التغطية الصحية الاجبارية عن المرض لامو _AMO_ الذي يديره صندوق الضمان الاجتماعي _CNSS_ في مطلع سنة 2023)، يمثل في نظري، بداية ثورة حقيقية على مستوى أدوار الدولة ووظائفها حيث انتقلت بإرادتها المنفردة من الدولة الحارسة (الأمن العمومي) إلى الدولة الحاضنة (الأمن الاجتماعي)؛ من اعتبار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مجرد تطلعات والتزامات طوعية إلى اعتبارها من صميم هوية الدولة وغاياتها؛ بل اصبحت من المرتكزات الجديدة للنظام العام المغربي. ومن المثير للانتباه في هذا التحول هو تبني الدولة وإقرارها لهذه الحماية الاجتماعية في سياق استثنائي موسوم بالندرة لا الوفرة، بالتضخم لا الانتعاش؛ بسيادة وسريان حالة الطوارئ الصحية لا الحالة العادية، يحدث هذا، في الوقت الذي التجأت فيه دولا كثيرة إلى العمل بمبدأ “عدم التقيد” بناء على حالة استثنائية مؤكدة، والمنصوص عليه في كثير من العهود والاتفاقيات الدولية والإقليمية، حيث يوفر هذا المبدأ حق الدول في التنصل من بعض الالتزامات ذات الصلة بحقوق الإنسان، مما يعني تفرد التجربة المغربية في سياق التحديات وتحويلها لهذه الأخيرة من مطب فاقد للتوازن إلى حافز للتغيير والنماء.
وفي خلاصة استنتاجية، يمكن تفسير هذا التوجه المغربي نحو الديمقراطية الاجتماعية كمحضن للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في علاقته بالقيم، بتشكل إرادة حقيقية نحو تأسيس دولة المشروع الاجتماعي الكفيلة باجتثاث الهشاشة والتهميش والفقر والاستلاب الثقافي، وتبعيا، التضييق على قيم الشعبوية وتياراتها الفاقدة لأي مشروع تحديثي وتجفيف منابعها في المناطق الرمادية (القطاعات التجارية غير المهيكلة، التهريب الحدودي، البناء العشوائي، معاملات السوق الأسود، الالتماس غير المشروع للإحسان العمومي، محيطات الشطط في استعمال السلطة، نطاقات الاستلاب الهوياتي)، في أفق بناء مجتمع متماسك اجتماعيا وقوي اقتصاديا ومحصن هوياتيا ولغويا.