أثارت الأرقام التي كشفت عنها المندوبية السامية للتخطيط بالمغرب (مؤسسة رسمية)، جدلا واسعا بعد أن أفادت بأن نسبة الناطقين باللغة الأمازيغية بمختلف تعابيرها (تشلحيت، تمزيغت، تريفيت) في البلاد لا تتجاوز 24.8%، بينما يستعمل حوالي 9 أشخاص من أصل 10 (91.9%) الدارجة المغربية.
جاء ذلك في ندوة صحفية بالرباط، قدم فيها المندوب السامي للتخطيط، شكيب بنموسى، نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، مسجلا أن أغلب السكان المتعلمين، البالغين 10 سنوات فأكثر، يعرفون القراءة والكتابة باللغة العربية (99.2%)، بينما 1.5% صرحوا بأنهم يعرفون القراءة والكتابة بالأمازيغية باستخدام حرف تيفيناغ. وخلفت هذه النتائج، التي وصفت من قبل البعض بأنها “غير واقعية”، نقاشا على منصات التواصل الاجتماعي بشأن المنهجية التي اعتمدتها المندوبية في جمع المعطيات، ومدى تأثير السياسات الحكومية على الوضع الراهن للأمازيغية. وفي هذا السياق، أعرب عدد من النشطاء الأمازيغيين عن مواقف متباينة إزاء هذه النتائج، والعوامل السياسية والاجتماعية والثقافية التي أدت إلى هذا التراجع، وبينما رأى بعضهم أن الأرقام تعكس تقصيرا حكوميا واضحا في حماية الأمازيغية، وصف آخرون المعطيات المعلنة بأنها “غير دقيقة”.
ويعتبر رئيس منظمة “تاضا تمغربيت”، عبد الله حيتوس، أن النقاش بشأن نسبة الناطقين بالأمازيغية في المغرب نقاش مغلوط ومحدود الجدوى، مشيرا إلى أن التركيز على الأرقام لا يخدم القضية الأمازيغية بقدر ما ينبغي التركيز على الأسباب الحقيقية التي أدت إلى هذا التراجع. ويتابع حيتوس حديثه ، موضحا أن “المشكلة الأساسية تكمن في التباطؤ الحاصل في تنزيل مقتضيات المادة الخامسة من الدستور والقانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وهو ما يعد مسؤولية الحكومة في المقام الأول”. ويؤكد أن النقاش حول الأمازيغية يجب أن يكون نقاشا سياسيا ذا أبعاد ثقافية واجتماعية، وليس نقاشا إحصائيا بحتا، مشددا على أن تراجع عدد الناطقين بالأمازيغية يعكس إشكالات أعمق مرتبطة بغياب سياسات عامة فعالة تدمج الأمازيغية في التعليم والإدارة والإعلام، وقال إن “الحكومة لم تلتزم بالتنزيل المنصف للدستور والقوانين ذات الصلة، مما يهدد مكانة الأمازيغية في الحياة العامة”. سياسات تمييزية” من جانبه، يؤكد الناشط الأمازيغي، الرئيس السابق للشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة، عبد الله بادو، في تصريح لـ”الحرة”، أن المنهجية العلمية التي اعتمدتها المندوبية السامية للتخطيط تعطي الأرقام مصداقية معينة، لكنها تظل محدودة بسبب غياب الدقة في صياغة الأسئلة الخاصة باستعمال اللغات. ويرى بادو بدوره أن النقاش لا يجب أن ينصب فقط على الأرقام، بل على الأسباب العميقة التي أدت إلى تراجع الأمازيغية، التي يصفها بأنها “نتيجة مباشرة لسياسات الدولة طوال العقود الستة الماضية بعد الاستقلال، خصوصا في مجالات التعليم والثقافة والخدمات العمومية”، مشيرا إلى أن الوضع الحالي “يعكس سياسات تمييزية عنصرية استهدفت الأمازيغية وحاولت اجتثاثها من الفضاء العام، مما أدى إلى تراجع استعمالها في الحياة اليومية والإنتاجات الثقافية والأدبية والفنية”. ويدعو الناشط الأمازيغي إلى إعادة النظر في السياسات التعليمية والثقافية لضمان حماية الأمازيغية وتعزيز دورها، لافتا إلى ضعف تجربة تدريس الأمازيغية منذ عام 2003، حيث لم تتجاوز نسبة المستفيدين منها 1.5% من المواطنين، مما يعكس تضاربا في الأرقام الرسمية وتناقضها مع الواقع، واعتبر أن الدولة ملزمة بوضع سياسات عادلة وجدية تضمن إنصاف الأمازيغية وتمكينها من النمو والتطور.
في طريق الانقراض” في المقابل، ينتقد منسق “الفيدرالية الوطنية للجمعيات الأمازيغية بالمغرب”، أحمد أرحموش، الأرقام التي أعلنت عنها المندوبية السامية للتخطيط، وقال إنها “غير دقيقة وتفتقد للأسس العلمية المعتمدة عالميا”، موضحا أن الطريقة التي تم بها جمع المعطيات، عبر استمارتين مختلفتين واحدة شملت 20% فقط من المغاربة وأخرى استثنت المعطى اللغوي وشملت 80%، تؤدي إلى “نتائج رقمية عشوائية لا تعكس حقيقة الواقع الديموغرافي للناطقين بالأمازيغية”. ويضيف أرحموش في تصريح لـ”الحرة”، أن “تراجع نسبة الناطقين بالأمازيغية من 72.3% في إحصاء 1994 إلى 24.8% في إحصاء 2024 يشكل رسالة خطيرة للدولة تفيد بأن الأمازيغية في طريقها إلى الانقراض”، مردفا أنه رغم ما يتم الترويج له من أرقام حول ارتفاع عدد التلاميذ الذين يتلقون دروسا بالأمازيغية إلى 647 ألف سنويا، فإن “هذه البيانات سطحية وغير مجدية إذا لم تكن مدعومة بسياسات حقيقية لدعم اللغة الأمازيغية في التعليم والحياة العامة”. وينبه المتحدث ذاته إلى أن الأرقام المعلنة قد تؤثر على السياسات العامة للدولة، ويقول “يمكن أن تستخدم كذريعة لتقليص الدعم المالي والسياسي الموجه للأمازيغية، باعتبار أن تراجع نسبة الناطقين بها يعطي انطباعا بانخفاض أهميتها”.