الزعيم الأوحد” أزمة تعاني منها الأحزاب المغربية

بقلم: ذ. الحسن العبد

يقول أحد الحكماء المغاربة: “حين يطول مقام الزعيم على رأس الحزب، تطول معه سنوات الجمود وتقصُر أعمار الآمال”.
بمناسبة إعادة انتخاب عبد الإله بن كيران أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية، تبرز مرة أخرى مشكلة “الزعيم الأوحد” التي تعاني منها الأحزاب المغربية، فلا شك أن حزب العدالة والتنمية يُعتبر من الأحزاب التي تعمل بأخلاق كريمة في الساحة السياسية، لكن السياسة ليست مجرد التزام أخلاقي، بل هي في الأساس حاجة ملحة للتجديد، ولإرادة سياسية فعلية تضع المؤسسات قبل الأشخاص.
إن استمرار نفس الوجوه على رأس الحزب، يعطل التناوب الداخلي، ويغلق أبواب التجديد أمام الكفاءات الجديدة، ذلك أن السياسة تتطلب أكثر من النوايا الحسنة، فهي في حاجة إلى تداول فعلي للقيادة، وتجديد مستمر للأفكار والبرامج.
على مر تاريخ الحياة السياسية المغربية، كانت ظاهرة الزعامة في الأحزاب السياسية ظاهرة بارزة، ومرت بمراحل مختلفة.. ففي مرحلة الاستقلال، كانت الأحزاب السياسية تتشكل حول شخصيات مؤثرة مثل علال الفاسي في حزب الاستقلال، الذي كان الزعيم الروحي والسياسي للحزب وواحدا من أبرز القادة الوطنيين الذين ساهموا في النضال ضد الاستعمار، إلى جانب عبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمان اليوسفي في حزب الاتحاد الاشتراكي، اللذين كانا رمزين سياسيين بارزين في تاريخ الحركة الوطنية والديمقراطية، وشاركا رفقة مناضلين آخرين في بناء التوجهات الاجتماعية والسياسية للمغرب بعد الاستقلال، كما كان علي يعتة في الحزب الشيوعي، أحد الزعماء الذين شكلوا معالم الفكر اليساري في المغرب.


لكن مع مرور الوقت، تحولت هذه الزعامات إلى نموذج دائم، حيث تجددت الزعامة حول شخصيات معينة وأصبحت أكثر مركزية في قيادة الأحزاب، وفي السبعينيات والثمانينات، شهدنا كذلك ظاهرة الزعامة الأبدية في بعض الأحزاب، مثل حزب الاستقلال وحزب التقدم والاشتراكية، حيث بقي القادة على رأس هذه الأحزاب لفترات طويلة، وهو ما أضعف قدرة الأحزاب على التجديد وتقديم أفكار جديدة قادرة على مواكبة التحولات السياسية والاجتماعية في البلاد.
عبد الإله بن كيران، رغم كل الانتقادات التي يمكن أن تحيط بشخصه وزعامته، يعتبر واحدا من أبرز الزعماء السياسيين في تاريخ المغرب الحديث، وذلك نظرا لجرأته السياسية ومواقفه الحاسمة في مرحلة مفصلية من تاريخ البلاد، إذ لا يمكن إنكار أنه كان له دور كبير في تأطير الحركة الإسلامية المغربية، وفي تحمله مسؤولية رئاسة الحكومة المغربية في فترة حساسة، لكنه، مثل باقي الزعماء، يظل مثالا حيا على ضرورة التجديد في القيادة السياسية، ليظل الحزب حيويا ويواكب تطورات الزمن.
اليوم، تعيد الأحزاب المغربية نفسها في تكرار نفس التجربة مع بعض الزعماء، حيث يصبح الشخص هو الحزب، فتغيب المبادرات الشابة وتظل الدوائر الضيقة هي التي تهيمن على اتخاذ القرار.
أما في حزب الحركة الشعبية، فالمثال كان زعيمه المحجوبي أحرضان، الذي ظل على رأس الحزب لسنوات طويلة، محققا له مكانة بارزة في الساحة السياسة المغربية، ورغم اختلاف السياقات بين الزعيمين، إلا أن ظاهرة الزعامة المستمرة تظل السمة المشتركة بينهما، إذ تسلط الضوء على إشكالية المركزية في القيادة في العديد من الأحزاب المغربية.
المرحلة تتطلب إرادة سياسية حقيقية داخل الأحزاب نفسها، لإصلاح بنيتها، وتفعيل التداول على القيادة، والقطع مع عقلية الزعيم الأبدي، من أجل بناء ديمقراطية مؤسساتية ومتجددة

x

Check Also

كبريات الصحف العالمية تتطرق لخبر إعتراف بريطانيا بسيادة المغرب على صحرائه

طنجة اليوم : الوكالات أعلنت المملكة المتحدة رسميًا دعمها لمقترح الحكم الذاتي ...