الدورة الأولى من مهرجان «طنجة تغني العالم»

 

طنجة  اليوم : متا

 ما بين 29 مايو و فاتح  يونيو 2025، تتحوّل طنجة، جوهرة شمال المغرب، إلى منصة كونية يتقاطع فيها الغناء بالشعر، وتتعانق فيها الفلسفة مع الرقص، في أول دورة من مهرجان «طنجة تغني العالم» الذي لا يحمل صفة حدث فني فقط، بل هو مشروع ثقافي شامل يسعى إلى استحضار روح المدينة بوصفها ملتقى حضارات وفضاءً مفتوحًا على العالم.
إنه مهرجان يعبّر عن طنجة في جوهرها: مدينة عند تخوم الجغرافيا والتاريخ، متأصلة في حضارات المتوسط، ومنفتحة على المحيط، عبَر منها ابن بطوطة وغنّى لها الشعراء، واختبأ فيها أدباء، وتلاقحت فيها ثقافات.
الرحلة ليست مجرد تنقل جغرافي، بل تجربة وجودية وفكرية، وهذا ما تجسده فقرات المهرجان. فكل عرض، كل ندوة، كل صوت، هو محطة في مسار سفر إنساني وفني عابر للضفاف، يعكس ثنائية التعدد والانتماء، ويطرح أسئلة على الحاضر، بعيون الماضي وتطلعات المستقبل. ويقول المدير الفني للمهرجان، جيرار كوركجيان، إن «هذا المهرجان لا يقتصر على ثلاث ضفاف فحسب، بل يمتد إلى جميع الشواطئ الممكنة للموسيقى والحلم». ومن هنا جاء اختيار فنانين متنوعين في المرجع والخلفية، لكنهم يلتقون في حب التجريب والانفتاح.

افتتاح المهرجان سيكون بصوتٍ عابرٍ للحدود، هو صوت الفنانة اللبنانية جاهدة وهبة، التي تُلقب بـ»كاهنة المسرح». لا تغني جاهدة وهبة بصوتها فقط، بل بشعرها وفلسفتها وعمقها الإنساني. في عرضها الافتتاحي، ستقدّم مختارات موسيقية تتقاطع فيها القصيدة العربية الصوفية، من الحلاج إلى رابعة العدوية، مع ترجمات غنائية لنصوص عالمية، من نيرودا إلى شكسبير، ضمن أسلوبها المرهف الذي يمزج التصوف بالمسرح وبالنبرة الاحتجاجية.
في اليوم الثاني، تنقُلنا فرقة «إيتاكا باند» الكاتالونية إلى فضاءات موسيقية مفعمة بالحيوية والتمرد. هي موسيقى تحتفي بالحياة، وتتماهى مع قضايا الناس، مزجٌ بين «الريغي» و»البلوز»، يلامس الروح بجمال الإيقاع ويُحفّز الجسد على الرقص. وللفرقة رصيد عالمي من الحفلات الناجحة التي جالت بين اليابان والبرتغال والهند وفرنسا.
أما اليوم الثالث، فسيكون بمذاق مغربي صوفي، حيث يُحيي عمر المتيوي، ابن مدينة طنجة، عرضًا بعنوان «أناشيد الششتري»، وهو عمل يستحضر تراث الشاعر الصوفي أبي الحسن الششتري، الذي مزج بين الزهد والفرح الكوني. وستقدم هذه الموسيقى على العود والآلات التقليدية، في لحظة تأملية تستنطق الروح وتعيد صلتها بالمطلق.
كما سيكون الجمهور على موعد في الليلة نفسها مع أحد أقوى الأصوات الجماعية في العالم: «الكورال الجماعي غوسبل لمدينة لندن» من بريطانيا. هذه المجموعة التي أسّسها القس بازل ميد عام 1982، تعتبر من بين أفضل فرق «غوسبل» في العالم، إذ تدمج بين الروحانيات المسيحية والأصوات الإفريقية والنكهات الفانكية والريغي. وسبق لهذا الكورال أن قدّم عروضًا رفقة عمالقة الموسيقى كـ»بول مكارتني»، «مادونا»، «تينا ترنر»، وأحيا حفل اليوبيل الملكي أمام أكثر من مليار مشاهد.
وفي ختام المهرجان، تعود طنجة إلى صوت مغربي أنثوي أصيل، السوبرانو سميرة القادري، التي تقدم عرضًا فنيا بعنوان «من ضفة إلى أخرى»، يرافقها فيه عازف البيانو الإسباني أندريس باريّوس وراقصة الفلامنكو الشابة سارا سانشيز، ويمزج هذا العرض بين الغناء الأندلسي والفلامنكو والجاز والنصوص العربية، في رحلة موسيقية تحتفي بالجذور والتقاطعات.

الأدب والفن في حضرة البحر

ولأن طنجة ليست فقط مدينة للموسيقى، فإن المهرجان يُخصّص ثلاث صباحيات للقاء فكري وفني راقٍ:
الصباحية الأولى: مخصصة لحركة «جيل بيت»، تحت إشراف مؤرخين ومبدعين مثل بريس ماتيوسان وإريك سارنر، لتسليط الضوء على كيف أصبحت طنجة ملاذًا لمبدعين أمثال بول بولز وويليام بوروز وآلن غينسبرغ وبراين غايسن.
وتكرس الصباحية الثانية للأدباء الذين كتبوا عن طنجة أو عاشوا بها، أمثال: الطاهر بن جلون وحسن خضر ودانيال غوندو، وستيفان غاو ومحمد مطالسي وفيليب غيغيه بولون، حيث سيقدمون شهادات شخصية ترسم صورة معاصرة لطنجة كمدينة أدبية.
في حين تخصص الصباحية الثالث للقاء بين الفنانين والنقاد حول «طنجة في الفنون البصرية»، بمشاركة فنانين مثل فؤاد بلامين وابراهيم العلوي وباسكال لوثوغيل ومريم السبتي ونادية صبري، الذين يحاولون رسم المدينة بالألوان كما تُرسم بالكلمات.

وفي فضاءات المدينة القديمة، تقام قراءات شعرية بأصوات إدريس العلوي المدغري وبيير أستان، وغيرهما من شعراء «الرحلة»، الذين يجعلون من القصيدة مركبًا يبحر بين اللغات والضفاف. كما تُنظم معارض فنية في مكتبة لرسومات الفنان تيغران كازازيان.
المهرجان في جوهره لا يروّج فقط لطنجة كمدينة ثقافية، بل كـ«عاصمة للخيال»، وكما تقول نادية بن جلون، رئيسة المهرجان: «كل ضفة من ضفاف طنجة هي مرآة لروح مختلفة». وبين صوت جاهدة وهبة وعود المتيوي، بين رقص الفلامنكو وقصائد بوروز، تكتب طنجة فصلًا جديدًا من تاريخها الثقافي.

*- جريدة القدس العربي

x

Check Also

شرطة طنجة تضبط شاحنة للنقل الدولي بها أكثر من 4 أطنان من المخدرات

طنجة اليوم : متابعة  تمكنت عناصر الأمن الوطني والجمارك العاملة بميناء طنجة ...