النزاع حول الجهوية بين المركز و الريف

 

اشكالية النزاع حول الجهوية بين المركز و الريف : الجزء الثاني

                                                                        عبد الكريم الطاهري

لقد قطع المغرب أشواطا مهمة في البناء الديموقراطي و التنمية والتي  شكلت منعطفا حقيقيا في تاريخ المملكة للرقي بالبلاد الى منزلة محترمة عبر النهوض بالتحديات الكبرى المطروحة في اطار دولي يتسم بمجموعة من الضغوطات و التحولات العميقة و يفرض تعزيز الأوراش الكبرى من خلال القيام باصلاحات جذرية و عميقة و ضمان تسييرها و تدبيرها وفق قواعد الحكامة و التي أعطت كذلك دفعة قوية نحو أشغال التهيئة و التعمير و اعادة الاعتبار لمشاريع التحضر و التمدن ولهذا فقد ركزت مختلف الخطب الملكية على مشروع الجهوية المتقدمة الذي هو عبارة عن ورش يوجه المغرب نحو الديموقراطية و الحداثة و بالتالي فان العشرية 2015-2020 مرحلة حاسمة و أهم تحد للمستقبل الاستراتيجي للمغرب .فهذه المقاربة الواسعة لا تعني بالضرورة اعادة التقطيع الاداري والأمني  بل هي دينامية و حركية حقيقية لمختلف أقطاب الكفاءات و محرك قوي للنمو و الازدهار و لهذا فان التنمية المندمجة و المقاربة التشاركية التي يحث عليها العاهل المغربي دائما تعتبر بمثابة المنطلقات الأساسية لنجاح هذا المشروع الوطني الضخم حيث وحدة الوطن و التماسك الاجتماعي و التضامن بين مكونات المجتمع المغربي و الانسجام و التجانس بين مختلف الجهات مع اعتبار الرأسمال البشري كعنصر أساسي لتحقيق الأهداف المنشودة

Résultat de recherche d'images pour "‫جهة طنجة تطوان الحسيمة‬‎"

و هكدا فان التخطيط للجهوية الموسعة يستلزم تشخيصا دقيقا للمؤهلات والمعيقات الطبيعية والمادية والمالية والبشرية … لجميع الجهات ، من اجل الوقوف على نقاط الضعف والقوة، في التجربة الجهوية الحالية، والعمل على تجاوز نقاط الضعف وتقوية نقاط القوة أثناء عملية الدمج والتوسيع ,اذ أن الإطار الإقليمي كوحدة جغرافية لم تعد كافية وقادرة بأن تستعمل كحقل للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي، فضرورة الاعتماد على تنظيم جديد وفعال للجهة كوسيلة ملائمة لاختيارات إعداد التراب الوطني والتنمية الجهوية والتي يفترض فيها أن تكون وحدة ترابية قادرة على تقديم إطار للنمو الاقتصادي والاجتماعي بهدف تخطي صعوبة الاختلالات المجالية وعدم التوازن بين مختلف الجهات والمناطق و اذ ان واقع الحال يبين ان التجربة  الحالية للجنة الاستشارية للجهوية تعتريها مجموعة من الاختلالات في تطبيقاتها ساهمت في ابعادها عن تحقيق دورها الاساسي وهو تحقيق التنمية المندمجة و المستدامة ومن بين هذه الاكراهات  حسب ما قمنا به من استطلاع للرأي وفق منهجية استهدفت مختلف الفاعلين الجمعويين و السياسيين و الاقتصاديين ومختلف الفئات المثقفة و الأنتلجنسية و الطبقة الكادحة من المواطنين وفق عينة منسجمة و متجانسة و الذين أبدوا أرائهم في الموضوع الجهوية حسب ما خلصت اليه اللجنة الاستشارية للجهوية و ذلك بشكل محايد و موضوعي وكذا تحليل موضوعي لمختلف المقالات و الأبحاث في هذا الشأن نجد ما يلي:

*- اولا: على مستوى التقسيم الجهوي :

  • نلاحظ ان هناك جهات محظوظة بحكم احتوائها على عدد مهم من التجهيزات التحتية والمرافق الاقتصادية والاجتماعية، وجهات يمكن ان يقال عنها بانها معتدلة التوازنات الى حد ما وذلك بالنظر الى كون المركز الاساسي للجهة يحتوي على بعض التجهيزات التحتية الضرورية لاستقبال الانشطة الاقتصادية والاستثمارات ، وهناك جهات اخرى وهي كثيرة تفتقر الى التجهيزات الاساسية وتسجل بها كل الاختلالات التي تقف في وجه البناء الاقتصادي والاجتماعي على مستوى الجهة، و هكذا فان التقسيم الجهوي الحالي تعتريه مجموعة من العيوب وبالتالي وجب اعادة النظر فيه وطرح تقسيم جديد موسع للجهوية يعتمد على تسع جهات فقط  والتي تعتمد أساسا على تحقيق التوازن بين الجهات ،وتحقيق الانسجام الداخلي لكل جهة والتكامل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، و تأخد بعين الاعتبار الخصوصية الثقافية التي  تدعم وتكرس وحدة وشمولية الثقافة الوطنية .فالحفاظ على الخصوصية الثقافية المحلية وتطويرها يؤدي للحفاظ على الهوية وترسيخ التماسك الاجتماعي، الذي يجعله محركا للتنمية المحلية والجهوية، وهو المجال الأمثل لتوظيف التراث و الرأسمال اللامادي، واستثماره في مسلسل التنمية.

    Résultat de recherche d'images pour "‫جهة طنجة تطوان الحسيمة‬‎"فالجهة التي هي  عبارة عن اطار لتازر و تعاضد الموارد المحلية مع الثقافة الترابية يجب أن تكون عبارة عن ترجمة و تعبير عن التنوع الذي يجمع الموارد البشرية و الديموغرافية و اللغوية والثقافية على اعتبار أنه فضاء مهم للتبادل . فالاستثمار غالبا ما يأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المحلية على مستوى الرأسمال البشري و الموارد الطبيعية و الموروث الثقافي في اطار سياسة القرب التي تروم بالدرجة الأولى الى تحقيق الحاجيات المحلية للمواطنين. كما أن الجهوية تشكل الدافع الأساسي نحو دينامية جديدة ملزمة للفرقاء و الشركاء المحليين بتقوية الممارسات الديموقراطية و التفكير و الحوار و العمل أي أنها المجال الملائم لخلق أنماط جديدة للتسيير الترابي و تثمين الموارد المتوفرة. فأهمية الموارد البشرية لضمان نجاح مشروع الجهوية المتقدمة يكمن في انخراط مختلف الفاعلين .كما أن الجهة و من خلال امكانياتها و قدراتها يجب أن تلعب دورا حاسما في تنظيم جودة الحياة المحلية أي أنها يجب أن تمثل عاملا أساسيا للسكن و الصحة و الحياة الثقافية وحماية البيئة الطبيعية و المناخ و بالتالي فان هذه البنية الجهوية ستسهل بدون شك التنسيق بين مختلف الوحدات اللامركزية و اللامتمركزة فيما يخص برمجة استثمارات الدولة و الجماعات المعنية و التهيئة الترابية و التنمية الاقتصادية و التكوين أي أن الهدف الأساسي هو بروز جهات قوية تتمحور حول المجال الديناميكي لبناء أقطاب حقيقية للتنمية و قادرة على المنافسة و المثمرة للفاعلين المحللين من خلال قدراتها و مهاراتها في مراقبة مجموع التراب و استعدادها للعب دور محرك في اعادة توزيع وسائل العمل و الاقلاع الاقتصادي لجميع التراب المكونة لها و بالتالي فان المميزات المادية و الجغرافية لجهة معينة لا تنتج تنمية حقيقية بقدر ما أن قدرة جميع الفاعلين المعنيين على العمل بشكل جماعي لفائدة جهتهم هي الكفيلة بتحقيق هذه التنمية

*- ثانيا : على مستوى الاختصاصات:

ان اختصاصات المجلس الجهوي غير واضحة ويسودها غموض كبير مما يكون معه مصدرا لتشتت الجهود وهدر الموارد،  يعتبر التنسيق ركنا أساسيا لنجاح تحقيق الجهة للاختصاصات المنوطة بها مع كافة الفاعلين و بالتالي فان ضرورة التنسيق والتوازن في الصلاحيات والإمكانات وتفادي تداخل الاختصاصات أو تضاربها بين مختلف الجماعات المحلية والسلطات والمؤسسات ،  فالجهوية الموسعة يجب أن تعطى لها صلاحيات واسعة تتماشى والأهداف المسطرة لها، فتوسيع الاختصاصات وتوفير الوسائل القانونية للجهوية الموسعة ستمكنها لامحالة من التدخل في جميع الميادين التي ترتبط بصفة مباشرة او غير مباشرة بجميع المجالات التي لها علاقة بتنمية الجهة، على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الامر الذي سيمكنها من ان تلعب ادوارا طلائعية، من خلال خلق كل الشروط الملائمة لوضع نشاط اقتصادي جهوي كفيل بالنهوض بالجهة للمستوى الذي يتطلع سكانها، مع التشبت بمقدسات الأمة وثوابتها في وحدة الدولة والوطن والتراب،  ولاشك في ان اقامة تنسيق افضل بين المصالح الخارجية للادارة على المستوى المحلي تحت سلطة الوالي الذي هو في نفس الوقت عون الدولة في خدمة الجهة سيمكن هذه الاخيرة من الاستفادة من المؤهلات الاكيدة للقيام بمهامها على احسن وجه،  كما يجب  أن تعتمد الجهوية الموسعة على نصوص تطبيقية تحدد بوضوح ماهية الاختصاصات الجهوية في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتضع الحدود الفاصلة بين تدخلات كل من الدولة والجهة وباقي الجماعات المحلية ، و  أن تكون النصوص المنظمة لاختصاصات الجهوية الموسعة تقريرية وواضحة ومحددة، وتبتعد عن النصوص العامة والفضفاضة .

Résultat de recherche d'images pour "‫جهة طنجة تطوان الحسيمة‬‎"

*- ثالثا : على مستوى الموارد: 

ان  دور المتدخل الاقتصادي للجهوية الموسعة لن يستقيم الا اذا توفرت الشروط المالية ، فالموارد المالية تعتبر حجر الزاوية في اية عملية تنموية، فمهما تعددت الاختصاصات التي تعطى للجهوية الموسعة، ومهما كانت صلاحياتها التقريرية على مجالات اختصاصاتها ، فان عدم توفرها على الوسائل المالية اللازمة للنهوض بهذه الاختصاصات، يفرغ الاستقلال المالي المعترف به لها من كل محتوى ويبعدها عن كل دور مستقل في مجال التنمية،  فمنح موارد مالية مهمة للجهوية الموسعة شيء ضروري لتمكينها من وسائل العمل والقدرة على القيام بالاختصاصات الممنوحة لها في مجال التخطيط والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، فانبثاق مجالس ديمقراطية ، لها من الصلاحيات والموارد مايمكنها من النهوض بالتنمية الجهوية المندمجة امر اساسي وجوهري،  لدلك فان حجم وطبيعة مشاريع الانماء الاقتصادي التي تقررها الجهة في اطار مخططها التنموي يتوقف الى حد كبير على مدى قدرتها على ابتكار وسائل عقلانية عادلة وديمقراطية ، للزيادة في الموارد المالية وتحسين مردوديتها  دون المساس بالقدرة الشرائية لعموم المواطنين ، وكدلك الزيادة في حجم الموارد المالية المحولة لها من طرف الدولة . يمكن القول أن الإمكانيات المالية التي منحت للجهة  مازالت ضعيفة على مستوى الموارد الذاتية، فكلها تقريبا عبارة عن رسوم بمثابة نسب مضافة إلى ضرائب محلية،  إن هذه  الوسائل المالية وان اعتبرت جديدة إلا أنها ضعيفة بطبيعتها كون أغلبها مضافة إلى ضرائب موجودة تستفيد منها الجماعات المحليـة (حضرية أو قروية) ، هذا من جهة ومن جهة أخرى يستشف أن هذه المصادر قد تستفيد منها بعض الجهات في حين أن جهات أخرى لن تستفيد إلا من بعضها وهكذا سنجد في آخر المطاف، أنه من بين كل البنود المالية الجديدة، هناك جهة معينة ستستفيد من بند أو بندين، و أخرى من ثلاث أو أربع بنود بمعنى ليست هناك جهة يمكنها الاستفادة من كل البنود،  ناهيك ان هناك اشكالية غياب التنسيق الذي يؤدي الى تشابك وتداخل الاختصاصات والاضرار بالتنمية، بحيث ان هناك في بعض الاحيان مشروع واحد يمكن أن يمول من طرف عدة جماعات او من طرفها والدولة وغيرهما، و النتيجة الحتمية  المترتبة على هذه الاوضاع والغموض الذي يسود الاختصاصات هي تشتيت جهود التنمية الاقتصادية .

Résultat de recherche d'images pour "‫اساكن الحسيمة‬‎"

*- الخاتمة

ولنجاح الجهوية الموسعة في تحقيق التنمية ، يجب التركيز على ضرورة اعادة النظر في التقسيم الجهوي  من خلال تقليص عدد الجهات وخاصة ما يتعلق  بجهة الريف الكبير التي يطالب بها  الريفيون و ذلك بإدماج الأقاليم الموجودة بين السعيدية و تطوان في جهة واحدة، سيما وهي تتوفر على قواسم مشتركة تاريخية وجغرافية ، ممتدة على طول الساحل المتوسطي المغربي وسلسلة جبال الريف، مما يجعل منها جهة حقيقية بمؤهلات اقتصادية متنوعة ومتكاملة. كما يطالب الريفيون كذلك باعدة النظر في الاختصاصات المخولة للجهة وتفادي التضارب فيما بينها والعمل على الزيادة في نسبة المداخيل .

*باحث في علوم التدبير و الاقتصاد

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*

x

Check Also

إعتقال متورط جديد على خلفية ملف النفق السري سبتة المحتلة و الفنيدق

طنجة اليوم : متابعة  قالت جريدة  ”  فارو دي سبتة“،  أن  فرقة ...