حي “وريرا “نهاية السبعينيات ..فضاء رحب وشاسع ينفتح على فدادين من الغرس والخير و”تسبح” فيه ابقار وغنم وماشية.. . .ومنازل معدودة على أصابع اليد الواحدة (.اليد واحدة لا الإثنتان ). صغارا كنا نمرح بلا قيود وبلا حدود .. لك أن تتصور سعادة تلك اللحظات لفتيان لم يعرفوا “البلاي ستايشن” ولا ” الفايس” اللعين… غرسة عمي البشير تمتد طويلا على مرمى عيوننا ؛يتنوع غرسها مع تغير الفصول:بطاطس، تركية(درة)،شيشارو(الجلبانة) ،كاوكاو(الفول السوداني ). فول بلدي… وفصة(عشب الماشية ) وبمحاداة المنزل حظيرة الأبقار (الروا) …من منكم عاش حب الفلاحة؟ لسنين من عمري كتت امني النفس بامتهانها .كنا ندلس من منزلنا لنعوم في غرسة عمي البشير .كان العربي هو دليلنا ،فقد تعلم من والده عمي البشير أصول المهنة وهو صغير .فكان يدلس بنا إلى الحظيرة. لنجمع معه روث البقر(البياطا) ثم نعرج على حقول الدرة لنسقيها بالفأس(الصابا) قبل أن “نحتش” عشب (الفصا) أكل الماشية ؛ثم نسبح في “السانيا”ونبحث عن “النونا”ومن يستطيع الإمساك بها وهي تزهق من اليد كالصابون. . عمي البشير كانت (ولا تزال ) له مكانة كبيرة في نفوس الجيران. كان عمله مضبوطا على الساعة السويسرية .من الفجر إلى صلاة الظهر عمل ثم قيلولة (نضبط وقتها حتى لا تزعج نومه) وبعد العصر (صلواته في المسجد دائما ) ثم عمل ….الفلاحة لا تعرف الوقت الثالث ولا ايام العطل.ولكنها منحت عمي البشير سعادة وراحة بال وحب الناس له . والدتي لا زالت تذكره بكل خير وكذا كان والدي رحمه الله. كان يحضر لنا كل صباح حليب البقر الطري وفي فصول الخضر كان يأتي محملا (ببارويطة) الحمالة الصغيرة .بالبطاطس. من لم يعرف بطاطا وشيشارو ونعناع مرتين القصير لم يذق طعم الخضر الحقيقي…
كبر حي وريرا وبدون ان نشعر التحقت به عمارات البناء البئيس .شاهقات باسقات لا جمال فيها كاعجاز نخل خاوية ..فوجئنا يوما ،بغرستنا ؛ غرسة عمي البشير تتحول إلى مقبرة عمرانية .يا للهول. كيف اخدوا غرسته؟كيف تحولت ارض الخيرات والخضر والماشية إلى مركبات اسمنتية جافة لا روح فيه ؟ لا حول ولا قوة الا بالله …طبعا افة البناء بمرتيل كلها بناء المركبات المسماة اجتماعية او اقتصاديا كذبا وما هي إلا استثمارات ورشاوي الفاعلين السياسيين الاقتصاديين تنتشر كالأمراض الخطيرة … كل يوم يصادقون على مقبرة عمرانية جديدة..يا لبؤسكم أيها الساسة .يا لهاونكم. ولجشعكم.. زرت عمي البشير في العيد وجدته مع الوالدة الكريمة حبابي خروج. كعادته ببسمته. بسمة فلاح مغربي أصيل رجل احب أرضه وخدمها فلم تعطه مالا كثيرا ولكن منحته حب الكل وغبطتهم له .وهل هناك افضل من رضا الله وحب الناس. حفظك الله عمي الحاج..واطال في عمرك .