تم تعيين البروفيسور الحسن بليمني و الذي سطع اسمه للرأي العام لأول مرة في بلاغ للديوان الملكي حول إصابة جلالة الملك محمد السادس نصره الله بجائحة كوفيد 19 طبيبا خاصا للملك محمد السادس ومديرا لمصحة القصر الملكي وفق ما نشر في الجريدة الرسمية.
وبالقصر الملكي بالرباط مجموعة من المرافق، على غرار «ساحة المشور»، وهو المصطلح التاريخي الذي يستعمل لوصف الموقع الجامع للقصر الملكي الذي يضم قصر الضيافة وحدائق السلطان والحي السكني للمقربين من الملك ، كما يضم المدرسة المولوية، التي أسهها الملك الراحل محمد الخامس في العام 1942، والمتخصصة في تعليم الأمراء والأميرات من السلالة العلوية، كما يضم كذلك «الخزانة الملكية» وهي من أهم الخزانات بالمغرب على الاطلاق ومن أغنى المكتبات الخاصة في الغرب الإسلامي، حيث تتوفر على ذخيرة هامة من المخطوطات النفيسة والنادرة التي تقدر بما يفوق 14 ألف مخطوط أو مجلد، أي ما يناهز 30 ألف عنوان و40 ألف مطبوع في مختلف المعارف والعلوم وبمختلف اللغات، هذا إضافة إلى 150 ألف وثيقة موجودة الآن بمديرية الوثائق الملكية التي يشرف عليها عبد الحق المريني، مورخ المملكة.
ويضم القصر كذلك قاعة للعرش ومكتبا للملك ومكاتب أخرى خاصة بمستشاريه، إضافة إلى بناية خاصة بالحجابة الملكية يشرف عليها الحاجب الملكي، وأخرى تابعة لمحافظ القصر، وبناية ضخمة لرئاسة الحكومة، وأخرى لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ومسجدا كبيرا يعرفه المغاربة باسم مسجد «أهل فاس»، غير أن ما يهمنا في هذا الملف هو المصحة الملكية التي تعد واحدة من أهم مكونات القصر الملكي العامر. و القصر الملكي في الرباط قد تم بناؤه في أواخر القرن الثامن عشر، و مرافق القصر كما هي معروفة اليوم لم يتم تشييدها إلا في مطلع العشرين، أما التحديث الشامل للقصر فلم يتم إلا في ما بعد العام 1927، أي مباشرة بعدما تولى السلطان محمد الخامس الحكم خلفا لوالده مولاي يوسف الذي لم يعمر كثيرا، وفي تلك الفترة تم بناء عيادة صغيرة تابعة للقصر أشرف عليها مجموعة من الأطباء أغلبهم فرنسيون، ومنهم كذلك أطباء مغاربة.
وإذا قَلّبْنَا كتب التاريخ فلن نجد أي مصدر يتحدث بإسهاب عن مصحة القصر، إلا أن اسمها ذكر في العديد من المذكرات والمراجع بدون تفصيل في مكوناتها، كما أن محركات البحث على الأنترنت لا تقدم أي سطر يتحدث عن مصحة القصر، وبالتالي فمن المؤكد أن مصحة القصر في المخيلة الشعبية المغربية مرتبطة هي كذلك بالبذخ والفخامة وكثرة العاملين بها، وهو تفسير يمكن أن نجد له جوابا في علم النفس وفي طقوس الملكية الباذخة وفي البنايات الفخمة التي توجد خلف الأسوار العالية للقصور ، فالمصحة الملكية الموجودة بالقصر الملكي العامر بباب السفراء هي مجرد بناية صغيرة، تم تشييدها بشكل متواضع في عهد السطان محمد الخامس، أي ما بعد العام 1927، وقام الحسن الثاني بتطويرها. وكان يشرف عليها طبيب الملك، عبد العزيز الماعوني، الذي يتخذها كمكتب له داخل أسوار القصر، كما يتخذ المستشارون مكاتب بجوار مكتب الملك، ولو أن عبد العزيز الماعوني لم يكن يتردد عليها كثيرا، بحكم أنه عادة ما كان يكون إلى جانب الملك في مختلف تنقلاته أينما حل وارتحل، حيث يلازمه كظله، علما أن الملك محمد السادس يكون دائم التنقل -خارج زمن الجائحة- سواء بين المدن المغربية أو خلال تواجده المستمر خارج أرض الوطن وخاصة في فرنسا، أكثر دولة يتردد عليها ، ويقول بعض المتهمين انه : «… من المعروف أن الملك محمد السادس يخضع بين الفينة والأخرى لبعض الكشوفات والتحليلات والاختبارات الطبية الروتينية، ولو أن بعضها يكون في فرنسا، التي سبق وأن أجرى بمستشفياتها عملية جراحية على القلب، ثم عملية جراحية على العين لإزالة القرنية، غير أنه يمكن كذلك أن يلجأ لخدمات المصحة الملكية، التي يجري بها بعض الفحوصات على غرار ما يقوم به أغلب المواطنين من يهتمون بسلامتهم الصحية».
كما أن هذه المصحة الموجودة داخل أسوار القصر الملكي كانت شاهدة على مجموعة من الأحداث التاريخية، فبها ولد أغلب أمراء وأميرات العائلة الملكية، ومنهم الملك محمد السادس نفسه وشقيقه وأخواته، ونفس الأمر ينطبق كذلك على أبناء عمه الأمير مولاي عبد الله وأبناء وبنات إخوته، وهو ما استمر إلى اليوم، حيث ولد بها ولي العهد الأمير مولاي الحسن والأميرة خديجة، ومعظم أمراء العائلة الملكية.
مصحة القصر الملكي تتوفر على جناح كامل لقسم الولادة، غير أنه يتم الاستعانة بأطباء تابعين على الخصوص للمستشفى العسكري أو المستشفى الجامعي ابن سينا ممن يشهد بكفاءتهم العلمية والمهنية الكبيرة، للإشراف على العمليات القيصرية أو عمليات الوضع للأميرات وزوجات أمراء القصر، ونفس الأمر ينطبق على عمليات أخرى مماثلة لا تتطلب التنقل لإجرائها خارج مصحة القصر. ويتابع المصدر ذاته: «… عيادة القصر ليست بتلك الصورة التي يتخيلها البعض وكأنها أشبه بمستشفى جامعي ضخم، بل هي في الواقع مجرد بناية صغيرة في حجم مصحة خاصة بمدينة ككنجة و الدار البيضاء أو الرباط، ولذلك نجد أن أفراد العائلة الملكية، في الكثير من الحالات، يلتجئون إلى الاستشفاء بالمستشفى العسكري بالرباط أو مستشفى ابن سينا الجامعي، واللذين يضمان أجنحة ملكية يمكن أن يعالج فيها أفراد العائلة الملكية وأحيانا بعض مستشاري الملك أو بعض المقربين من الجالس على العرش، كما حدث في وقت سابق مع رئيس الحكومة الراحل عبد الرحمان اليوسفي في العام 1998، الذي خضع للعلاج في نفس الجناح الذي توفي فيه الحسن الثاني بعد أشهر من ذلك. في ذلك الجناح، يخضع أفراد العائلة الملكية للعمليات الجراحية أو إجراء بعض الفحوصات تحت إشراف أطباء مغاربة مرموقين، كما أن الحسن الثاني نفسه، حين تدهورت حالته الصحية في إحدى أيام شهر يوليوز الساخنة من العام 1999 بالقصر الملكي بالرباط، تم نقله للعلاج في الجناح الملكي التابع لمستشفى ابن سينا بالرباط وليس إلى مصحة القصر، كونها لا تتوفر على الأجهزة والمعدات الطبية اللازمة».
خلاصة الكلام، يقول مصدرنا، أن مصحة القصر ليست بالصورة العجائبية التي يمكن أن يتصورها البعض، مليئة بالأطباء من مختلف التخصصات وبالمسعفين والأطر الطبية وتضم أحدث التجهيزات، ففي الكثير من الأحيان يتم اللجوء إلى أطباء المستشفى العسكري بالرباط أو أطباء المستشفى الجامعي ابن سينا أو بعض الأطباء من خارج المملكة، لإجراء عمليات جراحية لأفراد من العائلة الملكية، وهو بالضبط ما حدث مع الملك محمد السادس الذي أجرى عملية جراحية على القلب بمصحة القصر الملكي، غير أن الملاحظ أن الطاقم الطبي الذي تكلف بإجراء العملية، التي أشرف عليها طبيب الملك الشخصي عبد العزيز الماعوني، ضم أطباء فرنسيين مرموقين تمت الاستعانة بهم، وهما الطبيبان أوليفييه توماس، وأوليفييه دوبورغ، إلى جانب طبيبين مغربيين آخرين لا علاقة لهما بمصحة القصر، وهما البروفسور علي الشايب، وهو طبيب جراح مشهور يشتغل في المستشفى العسكري بالرباط، والبروفسور لحسن بليماني، الذي يشتغل في كلية الطب والصيدلة التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط