صحافة التشهير بالمغرب و نشر ثقافة الفضائحية بأدوار تحت الطلب
طنجة اليوم : محمد الراجي
صحافة التشهير بالمغرب تقوم بوظيفة نشر “الثقافة الفضائحية” وبأدوار “تحت الطلب”، تتلقى دعمًا ماليًّا عموميًّا، وهو ما يعني دعمًا لنموذج و”صناعة صحفية تشهيرية”، وتشجيعًا لثقافة فضائحية، وأيضًا تصديقًا على “شهادة حُسن السيرة المهنية وسلوك الممارسة التشهيرية” لهذا النمط من المنابر والمواقع الإلكترونية، التي تعمل من دون ضوابط مهنية وأخلاقية ولا حتى أبسط القواعد الحاكمة للعمل الإعلامي التي تحفظ للأفراد حياتهم الخاصة وتكفل لهم حق الرد. وإذا كان التطبيع يجرى الآن مع هذا النموذج و”وظيفته الثقافية”، فينبغي أن ندرك خطورته؛ إذ ربما يكون أقل كُلْفَة بالنسبة للجهات التي تُوظِّفه، لكن سيكون من دون شك مُكَلِّفًا للمجتمع والدولة معًا على المدى البعيد، لماذا وكيف؟ باعتباره سيكون مسؤولًا بجانب مؤسسات أخرى، سواء كانت تَغُضُّ الطرف عنه أو تدعمه، عن خلق أنماط فكرية ونفسية فضائحية في بنية المجتمع تُكيِّف نظرة المتلقي للواقع، وفهمه للمشاكل والقضايا المجتمعية والسياسية والاقتصادية، وتُنْشِئ هذه الأنماط تحديدات مشتركة لمعاني الأشياء والشخوص والرموز ومعايير تصنيف الخير والشر، وتُحدِّد وجهة نظره وموقفه منها، بل وتُحدِّد تصرفات وسلوك المتلقي تجاه الآخرين الذين تَنْشُر قصصهم وفضائحهم، وقواعد الحياة الاجتماعية للتعامل مع هذه القضايا، مما يجعله تحت رحمة هذه الثقافة لتحقيق إشباعاته في “التشهير والمعرفة بفضائح السياسيين والصحفيين والحقوقيين”؛ حيث تُجسِّد هذه المنابر قانون القرب في الحياة الخاصة للأفراد وعلاقاتهم الحميمية. في المقابل، لن تكون الجهات التي ترعى هذا النموذج وتدعمه وتوفر له الحماية بمنأى عن تأثير ثقافته في دوائرها؛ إذ سيكون أيضًا “سلاحًا فتَّاكًا” في أيدي بعضها لتصفية الحسابات بين مراكز النفوذ أو طلبًا لتسلُّق هرم السلطة ومنافعها، وهو ما يُنْذِر بالفوضى في البنية المؤسسية لأية سُلطة.
و في سياق الوظيفة المنوطة بصحافة التشهير؛ يقوم هذا النموذج بدور فعَّال في بناء أجندة المجتمع، أي: ترتيب أوليات الاهتمامات السائدة لدى أفراد المجتمع؛ فمن خلال التعرُّض لأخبار الفضائح والفيديوهات الجنسية لمن تَزِلُّ قدمه، أو تُزَلُّ، في هذه الفضائح، يصبح التفكير مُنْقادًا في الاتجاه ذاته؛ ذلك أن الحملات الإعلامية المُمَنْهَجَة لهذه المنابر إذا لم تنجح في توجيه المتلقي لطريقة التفكير، فإنها تنجح بشكل كبير في توجيه الجمهور للشيء الذي يجب أن يُفكِّروا فيه، فتُوحِّد ثقافته مما يجعل الخروج منها أمرًا صعبًا. وهو ما ترغب فيه الجهات التي تدعم هذا النموذج وتسمح له بالتمدد والانتشار دون حسيب أو رقيب ما دام يُمكِّنها من تحقيق أهدافها في “طَحْنِ” أو “فَرْمِ” من يتجاوز حدوده أو يسمح لنفسه بـ”إطالة اللسان” على الرموز وانتقادها. لذلك، فإن وظيفة هذا النموذج تتجاوز تحويل انتباه الجمهور وصرف انتباهه في ظل ظروف سياسية معينة نحو فضيحة جنسية أو موضوع آخر في مثل أهمية الموضوع الذي يثير جدلًا سياسيًّا أو حقوقيًّا أو أكثر أهمية منه، لِيُرَاهِن على قَوْلَبَة الفكر والوعي.
غ
عندما يكون المجال العام مُسْتَغْرَقًا بهذا النموذج التشهيري الفضائحي يتدهور مستوى الذوق العام، وتتشكَّل ثقافة اتصالية مُؤَطَّرة بحدود الخطاب السائد تُعَزِّز بدورها تكوين تربة خصبة لنواة مجتمع يُصْبِح ويُمْسِي على الفضائح الجنسية. وهنا، تتمثَّل خطورة هذا النموذج الذي ينشغل بقضايا قد لا تُمثِّل أولوية للمتلقي، ويسكت عن القضايا الأساسية والكبرى التي تمسُّ الحياة اليومية للمواطنين وتُؤثِّر مباشرة في مستقبلهم. لذلك يُعوِّق ويُعطِّل هذا النموذج التشهيري الفضائحي أَيَّة محاولة لخلق نموذج صحفي تنويري يهدف إلى “تمكين” الجمهور وتسليحه بالوعي بحقيقة أوضاعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويضمن استقلال مصادر المعرفة وحريتها من القيود والوصاية التي يمكن أن يمارسها الأفراد أو المؤسسات والشركات التجارية الكبرى أو الأجهزة الأمنية، ومعالجة هذه المعرفة دون توجيه مضمونها أو تزييف حقائقها أو أَدْلَجَتِها باعتبارها قضية أخلاقية أولًا تصبح اعتقادًا بتوافر الشروط المهنية والضوابط الحاكمة للممارسة الإعلامية .