طنجة اليوم : مراسلة

نظم مركز عوارف للفكر والمعرفة بشراكة مع  مقاطعة  طنجة المدينة لقاء علميا انعقدت جلسته بمقر المجلس العلمي المحلي لمدينة طنجة يوم الجمعة 14 أبريل 2023 على الساعة العاشرة ليلا وتمحور موضوع حول: “منظومة القيم الأخلاقية في الفكر الصوفي” بحضور ثلة من العلماء والباحثين وبعض الفاعلين في الحقل المدني والاجتماعي، ومن تأطير كل من الدكتور محمد بن كيران أستاذ التعليم العالي وعضو المجلس العلمي المحلي بالعرائش والدكتور عبد الله عبد المومن أستاذ التعليم العالي ورئيس تحرير مجلة إبصار، ومن تسيير الأستاذ عبد اللطيف حمزة.

وبعد الاستهلال بآيات بينات من الذكر الحكيم أدلى الأستاذ عبد اللطيف حمزة بمداخلة افتتاحية أوضح من خلالها السياق العام لتنظيم هذه الندوة العلمية وبين من خلالها أهداف انعقادها والنتائج المتوخى منها والتي يمكن إجمالها في إعادة الاعتبار للتصوف السني من خلال تجديد خطابه وربطه بأصل متين من أصوله التي بني عليها ألا وهو القيم في بعدها العام والشامل سواء الأخلاقية أو المعرفية أو الروحية.

ثم تناول الكلمة الدكتور محمد بن كيران والذي أوضح من خلال مداخلته القيمة كيف أن التصوف قائم أساسا على منظومة قيم معتبرة لا تنفك عنه أبدا وان التصوف المغربي تميز بخصائص قيمية جعلت من رجالاته دعاة ساهموا في تغيير التاريخ وبناء الحضارة الإنسانية وكانوا ركيزة أساسية في الحفاظ على الأمن الاجتماعي.

وبين فضيلته بأننا نعيشُ كونيا، أزمةَ انهيار القيم بسبب التغيرات الكبيرة التي أصابت بُنى المجتمعات، وأنماطَ التفكير، وسيولةَ المعلومات، وهياكلَ العلاقات الأسرية والاجتماعية، ومضامينَ وأشكالَ التصوف التي ظهرت في المجتمع. وأنه قد حلّت على الصعيد العالمي محل القيم المنهارة، قيم جديدة ذات طابع براغماتي، تتسم بنسبية كبيرة بسبب الافتقار إلى مرجعية ثابتة ،وأوضح كذلك بأن المشاكل التي نعاني منها اليوم ليست في عدم وجود قيم ضابطة لمسيرة الحياة ومعاييرَ لتقويمها وتحديدِ مواطن الخلل التي تعتريها، ولا في عدم وجود تجربة تاريخية، ولا في شمولية هذه القيم وتغطيتها لجميع مناحي الحياة البشرية، وإنما تتحدد الإشكالية – فيما يرى- بسوء التعامل مع القيم، الذي يؤدي إلى العبث بأحكامها، والقراءة المغلوطة لمحالها، ومن ثم سوء تنزيلها على واقع الناس ، ثم تناول الكلمة الدكتور عبد الله عبد المومن أبرز من خلالها مفهوم الفكر الصوفي وعلاقته بمنظومة القيم الإنسانية ودور هذه المنظومة في التربية والسلوك وذلك من خلال مجموعة من الشواهد التاريخية المغربية وكيف يمكن أن يكون هذا الموضوع أرضية فكرية لمشروعات علمية يجب على الباحثين فتح ملفاتها واستدعاء إشكالاتها لتصبح هما ثقافيا ومحركا اجتماعيا وفرضا كفائيا ومحرضا حضاريا ، كما أوضح فضيلته أن الأولويات اليوم التي ستساهم في إعادة تشكيل عقل الأمة، هو العودة إلى منظومة القيم ذات المرجعية التاريخية في ضوء معرفة الوحي وتجربة المتصوفة، مع امتلاك رؤية تمكننا من فهم الواقع بإشكالاته المتعددة، والقدرة على تحديد منظومة قيم تكون صالحة لمناط الاقتداء في هذه المرحلة ومن ثم تنزيل أحكامها الأخلاقية والروحية والمعرفية في حياتنا؛ اهتداء بسير رجالات التصوف وأفكارهم.

كما قام فضيلته من خلال مداخلته بإثبات السند الديني للأخلاق والقيم في صيغته الإسلامية وفي صورته الصوفية، وكيف أنه قادر على تجاوز القطيعة بين المرجعية الدينية للقيم والمرجعية العقلية، لأنه لا تعارض بين النقل والعقل ولا تعارض بين مصالح العباد وتشريع رب العالمين، فحيثما المصلحة المنضبطة فثم شرع الله، بحيث يَمكّن الوحيُ من التوفيق بين الحاجات الخاصة للفرد والحاجات العامة للجماعة ، ويمكن إجمال نتائج وتوصيات هذه الندوة في كون أن التصوف قائم أساسا على القيم ومقاصدها، وبالتالي يمكننا طرح هذه الإشكاليات: هل يمكن للفكر الصوفي المعاصر أن يعالج مشكلة تهميش القيم وازدواجيتها ونسبيتها؟ وهل بمقدوره أن يكون طريقا فعالا في ترسيخ القيم بمرجعية إنسانية كونية؟ وهل هناك اجتهاد داخل هذا الفكر في مسألة القيم من حيث علاقتها بالنظر والعمل، تأصيلا وممارسة؟ وكيف يمكن للخطاب الصوفي المعاصر أن يفضى إلى كونية القيم الإسلامية؟.

وفي ختام هذه الندوة تم تكريم فضيلة الدكتور العلامة عبد السلام فيغو رئيس المجلس العلمي بإقليم الفحص أنجرة سابقا وعضو المجلس العلمي الأعلى وأستاذ التعليم العالي بالجامعات المغربية والعربية، وذلك بتقديم درع تذكاري من طرف جماعة طنجة المدينة، ودرع تذكاري من طرف المركز، وبعد أن تم الاستماع إلى مجموعة من الشهادات في حقه وبيان ما قدمه من إنتاج فكري وعلمي، إن على مستوى الكتابة أو التدريس ،كما تم تكريم فضيلة الشيخ احمد فاتح احد شيوخ العلم والتدريس بمنطقة الشمال ،  وتم رفع الجلسة بالدعاء لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس بالحفظ والنصر والتمكين.